إن مناجاة الله -عز وجل- واللجوء إليه بالدعاء هي من أعظم العبادات التي تصل العبد بخالقه، خاصة في لحظات الضعف الإنساني حين تثقل القلوب الهموم وتعتريها الأحزان، فالدعاء هو السلاح الذي يواجه به المؤمن مصاعب الحياة، وهو النور الذي يبدد ظلمة الكرب، واليقين بأن الله سبحانه هو الملاذ الآمن الذي يسمع النجوى ويكشف البلوى.
والدعاء ليس مجرد كلمات تُردد، بل هو صدق التوجه إلى الله، وإظهار الافتقار إليه، والثقة برحمته وعطائه، ومن أعظم ما يدعو به العبد هو ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة مباركة، تجمع خيري الدنيا والآخرة، وتُعبّر عن كمال العبودية لله تعالى.
دعاء “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ” في السنة النبوية الصحيحة
يُعد هذا الدعاء من أعظم الأدعية النبوية وأكثرها شمولاً في الاستعاذة من كل ما يُنغّص على الإنسان حياته ويُضعف همته، وهو دعاء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، يُظهر افتقار العبد لربه في كل أحواله.
- نص الدعاء الكامل: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر أن يقول:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”.
(رواه البخاري).
- شرح موجز للدعاء: يجمع هذا الدعاء المبارك الاستعاذة بالله من ثمانية أمور هي منبع أكثر مشاكل الإنسان النفسية والمادية: الهم والحزن (الآلام القلبية)، العجز والكسل (ضعف الإرادة والبدن)، الجبن والبخل (النقائص الخُلقية)، وضَلَع الدين وغلبة الرجال (المصاعب الخارجية).
- سياق الدعاء: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء، مما يدل على أهميته في كل وقت، ويُشرع للمسلم أن يدعو به في أذكار الصباح والمساء، وعند الشعور بالضيق والكرب، وفي سائر الأوقات.
فضل الدعاء في جوف الليل والمساء
يُعد الثلث الأخير من الليل وقتاً مباركاً، تتنزل فيه الرحمات وتُستجاب فيه الدعوات، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنام هذا الوقت الشريف بالصلاة والدعاء والاستغفار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ”.
(متفق عليه).
وهذا الحديث الصحيح هو أعظم دافع للمؤمن أن ينهض من فراشه، ويناجي ربه بصدق وإخلاص، ويسأله من خيري الدنيا والآخرة، فإنه وقت قرب وإجابة.
أدعية نبوية صحيحة للمساء وجوف الليل
إلى جانب دعاء الهم والحزن، وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية عظيمة أخرى يُستحب للمسلم أن يحافظ عليها، خاصة في المساء وعند النوم وفي صلاة الليل (التهجد).
دعاء التهجد
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا تهجَّدَ من الليلِ قال:
“اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ”.
(متفق عليه).
دعاء عند النوم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا أخذ أحدنا مضجعه أن يقول:
“اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرَضِينَ وَرَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآنِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَالظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَالبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الفَقْرِ”.
(رواه مسلم).
أمثلة على صيغ وأدعية عامة منتشرة
يتداول بعض الناس صيغاً للدعاء لم ترد بنصها في السنة النبوية، ولكن معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، من الجيد أن يدعو الإنسان بما يفتح الله عليه من الدعاء، ولكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما يلي بعض الأمثلة على هذه الأدعية العامة:
- اللّهم إن كان رزقي بعيدًا فقرّبه، وإن كان في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، يا أكرم الأكرمين.
- اللّهم إني لا أرجو في هذه الحياة إلا عفوك ورحمتك، فيا حيّ يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
- اللّهم بارك لي في سمعي وبصري وقوتي وصحتي، وأعذني من الفقر وفتنة المحيا والممات وعذاب القبر.
- اللّهم أحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي.
- اللّهم مع هذا المساء، أسألك من خيره وخير ما فيه، وأعوذ بك من شره وشر ما فيه.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وجامعة لكل خير، وإن دعا المسلم بصيغة من عنده، فيجب أن يكون معناها صحيحاً وألا تشتمل على اعتداء في الدعاء.
حكم الدعاء بصيغ غير مأثورة
أجمع العلماء على جواز أن يدعو المسلم ربه بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وبأي صيغة كانت، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء، فالأمر في ذلك واسع، ولكن، لا شك أن الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل وأكمل وأقرب للإجابة، لأنها أدعية اختارها من أوتي جوامع الكلم، وهي تتضمن كمال الأدب مع الله، وغاية التوحيد، وشمول الخير.
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، حديث رقم 6369، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 1145، وصحيح مسلم، حديث رقم 758 (متفق عليه)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 1120، وصحيح مسلم، حديث رقم 769 (متفق عليه)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2713، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء للهم والحزن؟
أفضل دعاء ثابت في السنة الصحيحة هو: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ” (رواه البخاري).
متى يقال دعاء الهم والحزن؟
يمكن قوله في أي وقت، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر منه، ويُستحب المحافظة عليه ضمن أذكار الصباح والمساء، وعند الشعور بالضيق أو الكرب لطلب العون من الله.
هل يجوز الدعاء بأدعية من عندي غير موجودة في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من الأدعية التي تحمل معاني طيبة ولا تخالف الشرع، ولكن الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.

