حقيقة وجود دعاء تسخير البشر وجلبهم لخدمتك

يُعد الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، ومن بين ما يبحث عنه الناس “دعاء تسخير الناس” بقصد تيسير الأمور ونيل العون، من الأهمية بمكان فهم هذا المفهوم من منظور شرعي صحيح، قائم على الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية، لضمان أن يكون الدعاء موافقًا لهدي الإسلام وبعيدًا عن المفاهيم الخاطئة، هذا المقال يقدم توضيحًا شاملاً وموثوقًا حول هذا الموضوع.

التوجيه الشرعي لمفهوم “تسخير الخلق”

إن تسخير القلوب وتيسير الأمور بيد الله وحده، فهو سبحانه مقلّب القلوب ومصرّفها، فالمسلم حين يدعو، يتوجه بقلبه وطلبه إلى الخالق مباشرةً، مع اليقين التام بأنه هو الفعّال لما يريد، إن الله تعالى قد يجعل بعض عباده سببًا في قضاء حوائج الآخرين، وهذا من تمام لطفه وتدبيره، ولكن لا يجوز الاعتقاد بأن للدعاء قدرة ذاتية على التحكم في إرادة البشر.

لذا، فإن المنهج الصحيح هو أن يدعو المسلم ربه بأن يُهيئ له الأسباب، ويُليّن له القلوب، ويفتح له أبواب الخير على أيدي خلقه، لا أن يدعو بنية “السيطرة” أو “الإخضاع” التي تتنافى مع كرامة الإنسان ومشيئة الله.

أدعية صحيحة من الكتاب والسنة لتيسير الأمور ونيل المحبة

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ففيهما الخير والبركة والكفاية، ومن الأدعية المباركة التي تحقق مقصد تيسير الأمور وجلب المودة ما يلي:

1، دعاء نبي الله موسى عليه السلام

عندما أرسل الله نبيه موسى إلى فرعون، وهو من أعتى أهل الأرض، علّمه دعاءً جامعًا لتيسير مهمته الصعبة، وهو من أفضل ما يُدعى به عند مواجهة الأمور الشديدة أو التعامل مع الناس.

“قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)” [سورة طه: 25-28]

هذا الدعاء يجمع بين طلب انشراح الصدر، وتيسير الأمر، وتوفيق الله في إيصال الكلام للآخرين ليتقبلوه.

2، دعاء طلب محبة الله ومحبة الناس فيه

المحبة الحقيقية هي التي تكون في الله ولله، وقد ورد في السنة النبوية دعاء عظيم يسأل فيه العبد ربه هذا المقصد السامي.

“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي، وَمِنَ المَاءِ البَارِدِ”

المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن، هذا الدعاء يركز على أن تكون محبة الله هي الأساس، ومن ثمارها محبة الصالحين من خلقه.

3، أدعية عامة لتأليف القلوب

يمكن للمسلم أن يدعو بصيغ عامة لم ترد بلفظها في السنة، ولكن معناها صحيح، مثل:

  • “اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ”.
  • “اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، وَلَيِّنْ لِي قُلُوبَ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ”.

هذه الأدعية المأثورة وغيرها مما صح سنده كافية لتحقيق ما يرجوه المسلم من تيسير أموره وعلاقاته مع الناس.

يدان مرفوعتان للدعاء طلبًا لتيسير الأمور من الله

صيغ منتشرة تُنسب لـ “دعاء تسخير البشر”

تنتشر بين الناس بعض الصيغ والأدعية التي تُنسب إلى “تسخير البشر”، وهي لم تثبت في كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، نورد هنا بعض الأمثلة منها للتوضيح والتحذير:

  • “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك برحمتك التي وسعت كل شيء وبفضلك العظيم بأن تجعل فلانًا ميّالًا إلى الخير متابعًا لأقوالي…”.
  • “اللهم يا ذا الجلال والإكرام..، أسألك أن تسخر لي من عبادك من تُسعد بهم حياتي وتجعلهم عونًا لي في دربي…”.
  • “يا رب السماوات والأرض يا من تُسهّل العسير وتلين القلوب..، أتضرع إليك بقدرتك أن تجعل فلانًا وسيلةً لمساعدتي…”.

تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة لمن لزمها.

الحكم الشرعي للدعاء بهذه الصيغ المنتشرة

الدعاء بأسلوب أو صيغة لم ترد في السنة ليس محرمًا لذاته، طالما أن معناه صحيح ولا يحتوي على محظور شرعي (مثل الشرك أو الاعتداء في الدعاء)، ومع ذلك، هناك محاذير مهمة:

  1. الاعتقاد بفضل خاص: لا يجوز اعتقاد أن لهذه الصيغ فضلًا خاصًا أو أثرًا معينًا لم يرد به دليل شرعي.
  2. نسبتها إلى الدين: لا يجوز نسبتها إلى السنة النبوية أو الادعاء بأنها “دعاء المعجزات” أو “الدعاء المستجاب لتسخير البشر” بشكل يوهِم بأن لها قدسية خاصة.
  3. هجر المأثور: الانشغال بهذه الصيغ قد يؤدي إلى هجر الأدعية النبوية الصحيحة، وهي قمة البلاغة والبركة والقبول.

الخلاصة: الأولى والأكمل للمسلم هو الالتزام بالأدعية المأثورة من الكتاب والسنة، وإن دعا بصيغة من عنده، فليكن معناها صحيحًا، دون أن ينسبها للدين أو يعتقد فيها فضلًا لم يثبت.

نصوص أدعية شرعية لتيسير الأمور والمحبة بين الناس

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة (FAQs)

س1: هل يوجد دعاء مخصص لجعل شخص معين يحبني أو يطيعني؟

ج: لا يوجد في الشريعة دعاء مخصص للتحكم في مشاعر شخص معين أو إجباره على الطاعة، هذا المفهوم مخالف لتعاليم الإسلام، الصحيح هو أن تدعو الله بأن يؤلف بين القلوب على الخير، وأن يرزقك المودة في قلوب الصالحين، وأن يهدي من تشاء إلى ما فيه الخير لك وله.

س2: ما هو البديل الصحيح لـ “دعاء تسخير الناس”؟

ج: البديل الصحيح هو “دعاء تيسير الأمور” و “دعاء تأليف القلوب”، ومن أفضل الأمثلة دعاء نبي الله موسى عليه السلام: “رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي”، فهو يطلب من الله العون والتوفيق في مهمته التي تتطلب تعاملًا مع الناس.

س3: ما هي أفضل الأوقات للدعاء بتيسير الأمور؟

ج: يُستحب الدعاء في كل وقت، وتتأكد الإجابة في أوقات وأحوال معينة، منها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، وعند نزول المطر، الإلحاح في الدعاء مع اليقين بالإجابة من أعظم أسباب القبول.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات