تُعد صلاة الاستخارة للخطوبة والزواج من أعظم الوسائل الشرعية التي يلجأ إليها المسلم عند الإقدام على هذا القرار المصيري، فالاستخارة لغةً هي طلب الخيرة في الشيء، واصطلاحًا هي التوجه إلى الله -عز وجل- بطلب الخيرة في أمرٍ مُباح مع تفويض الأمر إليه سبحانه، ليختار للعبد ما فيه الصلاح في دينه ودنياه، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه العبادة العظيمة لتكون سبيلًا للطمأنينة واليقين بأن اختيار الله هو الخير كله.

يؤديها المسلم عند مواجهة قرار مصيري، فيُصلي ركعتين من غير الفريضة، ثم يتضرع إلى الله بالدعاء المأثور، طالبًا منه الهداية إلى الصواب، إنها ليست مجرد دعاء، بل هي عبادة متكاملة تجمع بين الصلاة والتوكل والتسليم لله، مما يمنح القلب سكينة ورضا بما يقدره الله تعالى.

نص دعاء الاستخارة الصحيح الوارد في السنة النبوية

إن النص الصحيح لدعاء الاستخارة هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الدعاء الجامع الذي يُقال بعد أداء ركعتي الاستخارة، وقد جاء في الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:

“كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ – وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ – خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ”، (رواه البخاري).

عند الدعاء، يصل المسلم إلى جملة “اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ…” فيُسمّي حاجته بوضوح، كأن يقول: “زواجي من فلانة بنت فلان” أو “خطبتي لفلان بن فلان”.

طريقة أداء صلاة الاستخارة مع الدعاء الصحيح

لأداء صلاة الاستخارة على الوجه الصحيح الموافق للسنة النبوية، يتم اتباع الخطوات التالية:

1. النية والوضوء: يتوضأ المسلم وضوءه للصلاة، وينوي أداء صلاة الاستخارة.
2. صلاة ركعتين: يصلي ركعتين نافلة من غير الفريضة، يُستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة (الكافرون)، وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة (الإخلاص).
3. الدعاء بعد الصلاة: بعد التسليم من الصلاة، يرفع يديه ويثني على الله ويحمده، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة الإبراهيمية.
4. قراءة دعاء الاستخارة: يقرأ دعاء الاستخارة الوارد في الحديث السابق بقلب خاشع وحاضر، ويسمي حاجته عند الموضع المخصص لذلك.
5. ختم الدعاء: يختم دعاءه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى.
6. التوكل والمضي في الأمر: بعد أداء الاستخارة، يمضي المسلم في الأمر الذي استخار فيه (كالتقدم للخطبة أو سؤال الأهل)، متوكلًا على الله، فإن تيسّر الأمر وشعر بانشراح الصدر، فهذه علامة خير، وإن وجد عوائق أو شعر بانقباض في صدره، فهذه علامة على أن الله يصرفه عن هذا الأمر.

تنبيه مهم: ليس من شروط الاستخارة رؤية منام أو حلم، بل علامتها تيسير الأمر من عدمه، أو ما يقع في قلب العبد من راحة وطمأنينة.

صيغ أدعية شائعة لتيسير الزواج

يتداول بعض الناس صيغًا مختلفة من الأدعية عند البحث عن الزواج أو تيسير أموره، وهي أدعية عامة في طلب الخير، ومن أمثلتها:

• اللهم يا مسخّر القوي للضعيف، ويا مسخر الجن والريح لنبينا سليمان، والطير والحديد لنبينا داود، والنار لنبينا إبراهيم، سخّر لي زوجًا صالحًا (أو زوجة صالحة) يعينني على طاعتك.
• اللهم يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالًا لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وبقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، أن ترزقني الزوج الصالح الذي يكون لي قرة عين.
• اللهم إني أسألك بخوفي من أن أقع في الحرام، وبحفظي لجوارحي، وأسألك يا رب بصالح أعمالي أن ترزقني زوجًا صالحًا يعينني في أمور ديني ودنياي، فإنك على كل شيء قدير.
• يا رب ارزقني زوجًا صالحًا تقر به عيني، وأسعد به ويسعد بي، واجعل بيننا المودة والرحمة، إنك على كل شيء قدير.

تنبيه وإخلاء مسؤولية هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي من الأدعية العامة التي يتداولها الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه على أنها جزء من صلاة الاستخارة أو مخصصة لها، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ففيها الكفاية والبركة، ويجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة في أي وقت، شريطة ألا ينسبها إلى السنة أو يعتقد أن لها فضلًا خاصًا لم يرد به دليل.

أهمية صلاة الاستخارة وفضلها في اتخاذ قرار الزواج

لصلاة الاستخارة منزلة عظيمة وأثر كبير في حياة المسلم، وتتجلى أهميتها عند القرارات المصيرية كالزواج في النقاط التالية:

• تحقيق التوكل على الله: عندما يستخير المسلم ربه، فإنه يُعلن عجزه وحاجته إلى الله، ويفوض أمره بالكامل إلى الخالق الذي يعلم الغيب، وهذا من صميم عقيدة التوكل التي هي أساس الإيمان، قال تعالى:
  

  “وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” [المائدة: 23].

  .

• الطمأنينة والسكينة النفسية: تمنح الاستخارة القلب راحة وطمأنينة، وتُذهب عنه الحيرة والقلق، لأن العبد يوقن أن الله سيختار له الأصلح والخير، فيرضى بقضاء الله وقدره.
• جلب البركة والتوفيق: إن بداية أي مشروع، خاصة الزواج، باللجوء إلى الله وطلب الخيرة منه، هو من أعظم أسباب التوفيق والبركة فيه، لأن العبد يطلب من الله أن يبارك له في اختياره.
• الحماية من الندم: تحمي الاستخارة المسلم من الندم مستقبلًا، لأنه حتى لو لم يتيسر الأمر، فإنه يعلم أن الله صرفه عنه لحكمة، وأن الخير كان في عدم إتمامه، مما يجعله راضيًا مطمئنًا.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة حول صلاة الاستخارة للخطوبة

ما هو أفضل وقت لأداء صلاة الاستخارة؟

يجوز أداء صلاة الاستخارة في أي وقت من النهار أو الليل، ما عدا أوقات الكراهة للصلاة (بعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس، وعند قيام الشمس في منتصف السماء، وبعد صلاة العصر حتى تغرب)، ويُعد الثلث الأخير من الليل من أفضل الأوقات، لأنه وقت مبارك تُستجاب فيه الدعوات.

كيف أعرف نتيجة صلاة الاستخارة؟

نتيجة الاستخارة لا تكون بالضرورة عبر رؤيا أو منام، العلامة الأساسية هي تيسير الأمر الذي استخرت فيه أو تعسّره، فإن وجدت الأبواب مفتوحة والأمور تسير بسلاسة وشعرت بانشراح في صدرك، فهذه علامة إيجابية، أما إن وجدت عوائق وصعوبات وانقباضًا في الصدر، فهذه إشارة إلى أن الخير في الابتعاد عن هذا الأمر.

هل يجوز تكرار صلاة الاستخارة؟

نعم، إذا لم يتبين للمستخير شيء وبقيت حيرته، فيجوز له تكرار صلاة الاستخارة حتى يطمئن قلبه ويظهر له وجه الصواب في الأمر.

ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة غير الثابتة؟

البديل الصحيح والأكمل هو الالتزام بالدعاء النبوي الثابت في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمسلم أن يدعو الله بما شاء من الأدعية العامة الطيبة في أوقات الإجابة (مثل السجود أو في الثلث الأخير من الليل) بأن يرزقه الله الزوج الصالح أو الزوجة الصالحة، دون ربط هذه الأدعية بصلاة الاستخارة نفسها.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر