دعاء التوكل على الله وتفويض الأمر لله وحدة مكتوب

يُعدُّ التوكل على الله من أعظم العبادات القلبية التي يستعين بها المسلم في شؤون حياته، فهو يمثل صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع ودفع المضار، مع الأخذ بالأسباب المشروعة، إن تحقيق التوكل يجلب الطمأنينة للنفس والرضا بقضاء الله وقدره، وقد جاءت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لتؤكد على هذه العبادة الجليلة وترشد المسلم إلى كيفية تحقيقها.

أدعية التوكل الصحيحة من القرآن والسنة

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تشمل خيري الدنيا والآخرة، وفيما يلي بعض الأدعية الصحيحة والثابتة في التوكل وتفويض الأمر إلى الله:

  • دعاء الخروج من المنزل: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

    “إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ”

    (رواه أبو داود والترمذي، حديث صحيح).

  • دعاء الكرب والهم: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:

    “لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ”

    (متفق عليه).

  • دعاء قضاء الدَّين وجلب الرزق: عن علي رضي الله عنه، أن مكاتبًا جاءه فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صير دينًا أداه الله عنك؟ قال: قل:

    “اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ”

    (رواه الترمذي، حديث حسن).

  • دعاء شامل جامع: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:

    “اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ”

    (متفق عليه).

  • دعاء النوم وتفويض الأمر لله: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب رضي الله عنه أن يقول إذا أوى إلى فراشه:

    “اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ”

    فإن مات من ليلته مات على الفطرة، (رواه البخاري).

أدعية التوكل على الله وتفويض الأمر إليه من السنة النبوية

أدعية عامة وصيغ شائعة في التوكل

تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، ويمكن الدعاء بهذه الصيغ العامة التي لا تخالف الشرع من باب الدعاء المطلق.

  • اللَّهُمَّ إنِّي وَكّلتُ أمرِي إِلَيْكَ، فاحفَظنِي وَكُلَّ مَن أُحبُّ.
  • رَبِّ أسألك بدايَةَ الخَيرِ وَنِهايتَه، وَأجمَلَه وَأكمَلَه، وَأولَه وَآخرَه، وَظاهِرَه وَباطِنَه، وأسألُك الدَّرجاتِ العُلى فِي الجَنَّةِ.
  • اللَّهُمَّ أَعنِّي وَلا تُعِنْ علَيَّ، وَانصُرنِي وَلا تَنصُرْ علَيَّ، وامكُرْ لِي وَلا تَمكُرْ بِي، واهدنِي وَيسِّرْ الهُدَى لِي، وَانصُرنِي علَى مَن بَغَى علَيَّ.
  • اللهم إني أصبحت في ذمتك وجوارك، اللهم إني أستودعك ديني ونفسي وأهلي ومالي ودنياي وآخرتي، وأعوذ بك يا الله من شر خلقك أجمعين.
  • اللهم يا مُعلِّم إبراهيم علِّمني، ويا مفهِّم سليمان فهِّمني، ويا مُؤتي لقمان الحكمة وفصل الخطاب آتني الحكمة وفصل الخطاب.
  • اللهم إني استودعتك كل ما قرأته وكل ما حفظته وكل ما تعلَّمته، فاردده إليَّ عند حاجتي إليه، إنك على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
  • يا رب، إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي.

حقيقة التوكل على الله وأهميته

التوكل الصادق لا يعني ترك السعي أو إهمال الأخذ بالأسباب، بل هو عبادة قلبية تقوم على اليقين التام بأن الله هو المدبر لكل شيء، مع قيام الجوارح بالعمل والسعي، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بوضوح حين قال:

“لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا”

(رواه الترمذي وأحمد، حديث صحيح)، فالطير لا تبقى في أعشاشها منتظرة الرزق، بل “تغدو” أي تخرج في الصباح الباكر ساعية، ثم “تروح” أي تعود في المساء وقد امتلأت بطونها، وهذا هو جوهر الجمع بين عمل القلب (التوكل) وعمل الجوارح (السعي).

شرح معنى التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب

التوكل عند المرض والأزمات

عند وقوع البلاء كالمرض، يظهر الفهم الصحيح للتوكل، فالمؤمن يفوض أمره لله ويوقن بأن الشفاء بيده وحده، كما قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام:

“وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” [الشعراء: 80]

لكن هذا اليقين القلبي يجب أن يقترن بالأخذ بالأسباب المشروعة كالتداوي والالتزام بتعليمات الأطباء والوقاية، فإهمال الأسباب بحجة التوكل هو “تواكل” مذموم ينافي هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يتداوى ويأمر أصحابه بالتداوي.

ويطمئن المؤمن قلبه بقول الله تعالى:

“قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ” [التوبة: 51]

التوكل في طلب العلم والنجاح

حث الإسلام على طلب العلم وجعله فريضة، وأول آية نزلت من القرآن كانت أمرًا بالقراءة:

“اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ” [العلق: 1]

وعلى طالب العلم أن يجمع بين الجد في المذاكرة والمثابرة وبين صدق التوكل على الله، سائلًا إياه التوفيق والفهم، ومن الأدعية الصحيحة التي يستعان بها في كل الأمور، ومنها طلب العلم، دعاء تيسير الأمور:

“اللَّهُمَّ لَا سَهْلَ إِلَّا مَا جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ إِذَا شِئْتَ سَهْلًا”

(رواه ابن حبان في صحيحه).

دعاء التوكل على الله عند مغادرة المنزل لتحقيق النجاح

التوكل في طلب الرزق

الرزق بيد الله وحده، وهو سبحانه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، كما قال في كتابه الكريم:

“قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” [سبأ: 39]

وعلى العبد أن يسعى في طلب رزقه بجد واجتهاد، مع يقين قلبي بأن الرزاق هو الله، وأن ما كتبه الله له سيأتيه لا محالة، والجمع بين السعي والدعاء من أعظم أسباب فتح أبواب الرزق والبركة فيه.

فضل دعاء التوكل على الله لجلب الرزق والبركة

أثر التوكل على الله في حياة المسلم

التوكل على الله من أعظم العبادات القلبية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة الإنسان وتمنحه الراحة والطمأنينة والثقة في تدبير الله عز وجل لكل شؤونه، ومن ثمرات التوكل المباركة:

  • كفاية الله لعبده: من يتوكل على الله بصدق، فإن الله تعالى يكفيه ما أهمه من أمور دينه ودنياه.
  • الطمأنينة والسكينة: يرزق الله المتوكل سكينة في قلبه ورضًا بقضائه، مما يبعد عنه القلق والجزع.
  • القوة والعزيمة: يمنح التوكل صاحبه قوة في مواجهة الشدائد وثقة بنصر الله، فلا يخشى أحدًا إلا الله.
  • الحفظ من الشرور: المتوكل على الله يكون في حفظ الله ورعايته، فيقيه من كيد الشيطان وشرور الخلق.
  • تحقيق الإيمان: التوكل الصادق هو من أقوى دلائل الإيمان وكماله، فلا يصح إيمان عبد حتى يكون متوكلًا على ربه.

المصادر والمراجع

الأسئلة الشائعة (FAQs)

ما هو الفرق بين التوكل والتواكل؟

التوكل هو صدق الاعتماد على الله بالقلب مع الأخذ بالأسباب المشروعة بالجوارح، وهو عبادة محمودة، أما التواكل، فهو الاعتماد على الله دون الأخذ بالأسباب، وهو صفة مذمومة تدل على الكسل والتقصير.

هل دعاء التوكل يغني عن السعي والأخذ بالأسباب؟

لا، الدعاء والتوكل لا يغنيان عن السعي، فالتوكل الحقيقي يقتضي الجمع بينهما، فالمسلم يدعو الله ويثق به، وفي نفس الوقت يعمل ويجتهد ويأخذ بالأسباب التي شرعها الله لتحقيق مقصده.

ما هو أفضل وقت لدعاء التوكل؟

يمكن للمسلم أن يدعو بأدعية التوكل في كل وقت وحين، فهي عبادة قلبية مستمرة، وهناك أوقات وأحوال يتأكد فيها استحبابها، مثل عند الخروج من المنزل، وعند النوم، وعند مواجهة الكروب والشدائد، وفي بداية كل عمل يقوم به.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات