الخوف شعورٌ فطري قد يمر به الإنسان في مراحل حياته المختلفة، ولكن حين يزداد هذا الشعور ليصبح قلقًا وهمًا يثقل النفس، فإن الملاذ الآمن والملجأ الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى، إن اللجوء إلى الله بالدعاء الصادق والذكر هو أعظم ما يجلب الطمأنينة للقلب، فهو القائل في محكم كتابه:
“الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد: 28].
والله تعالى قريبٌ مجيب، يسمع دعاء عباده ويستجيب لمن لجأ إليه بصدق، كما وعد في قوله:
“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” [البقرة: 186].
في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، التي تُعين المسلم على التغلب على الخوف والقلق والتوتر.
أدعية نبوية صحيحة لإزالة الخوف والهم
ورد في السنة النبوية الشريفة أدعية عظيمة لها أثر مباشر في تفريج الكروب وإزالة الهموم، ومن أصحها وأشهرها ما يلي:
- دعاء الكرب والهم: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا”.
المصدر: مسند الإمام أحمد، وصححه الألباني.
- دعاء الكرب العظيم: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:
“لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”.
المصدر: صحيح البخاري وصحيح مسلم.
- دعاء الاستعانة بالله: أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجمع بين العمل والاستعانة بالله، فقال:
“احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ ‘لَوْ’ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ”.
المصدر: صحيح مسلم.
أدعية من القرآن الكريم للطّمأنينة والسكينة
القرآن الكريم هو شفاء لما في الصدور، وقراءته بتدبر تجلب السكينة، وهناك آيات كريمة تحمل في طياتها معاني التوكل والأمان، ويمكن للمسلم أن يدعو الله بها أو يستحضر معانيها لتهدئة النفس:
- دعاء يشمل خيري الدنيا والآخرة:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
.
- دعاء سيدنا موسى عليه السلام لطلب التيسير:
“قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي” [طه: 25-28].
.
- دعاء التوكل وتفويض الأمر إلى الله:
“…وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ” [غافر: 44].
.
- آية تزرع اليقين بأن كل شيء بقدر:
“مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” [الحديد: 22].
.
دعاء الخوف من الموت
الإيمان الصادق بالله وحب لقائه هو ما يهوّن على المؤمن رهبة الموت، فالموت حقيقة مقدرة في وقتها المحدد، كما قال تعالى:
“وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا” [آل عمران: 145].
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن حب لقاء الله مرتبط ببشارة المؤمن برضوان الله وجنته، فعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ، فَقَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ”.
المصدر: صحيح مسلم.
دعاء الخوف من الامتحان
يشعر الكثير من الطلاب بالقلق والتوتر قبل وأثناء فترة الامتحانات، واللجوء إلى الله بالدعاء من أعظم أسباب التوفيق والنجاح، يُنصح بالإكثار من الأدعية العامة للتيسير وطلب الفهم، ومنها:
- “اللَّهُمَّ لا سَهْلَ إِلا مَا جَعَلْتَهُ سَهْلاً، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ إِذَا شِئْتَ سَهْلاً”. (حديث صححه ابن حجر وابن تيمية).
- الدعاء بآيات سورة طه: “رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي”.
- الإكثار من قول: “اللَّهُمَّ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ، وَسَلَّمْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، لا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ”.
صيغ وأدعية عامة منتشرة
يتداول الناس بعض الصيغ والأدعية التي لم ترد بنصها المحدد في القرآن أو السنة الصحيحة، ولكن معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، يمكن الدعاء بها على سبيل العموم، مع العلم أن الأفضل دائمًا هو الالتزام بالأدعية المأثورة، ومن أمثلة ذلك:
- “اللَّهُمَّ سَخِّرْ لِي جَمِيعَ خَلْقِكَ كَمَا سَخَّرْتَ الْبَحْرَ لِسَيِّدِنَا مُوسَى، وَأَلِنْ لِي قُلُوبَهُمْ كَمَا أَلَنْتَ الْحَدِيدَ لِدَاوُدَ، فَإِنَّهُمْ لَا يَنْطِقُونَ إِلَّا بِإِذْنِكَ، نَوَاصِيهِمْ فِي قَبْضَتِكَ، وَقُلُوبُهُمْ فِي يَدِكَ”.
- “حَسْبِيَ اللهُ لِمَا أَهَمَّنِي، حَسْبِيَ اللهُ لِمَنْ بَغَى عَلَيَّ، حَسْبِيَ اللهُ لِمَنْ حَسَدَنِي، حَسْبِيَ اللهُ لِمَنْ كَادَنِي بِسُوءٍ، حَسْبِيَ اللهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، حَسْبِيَ اللهُ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْقَبْرِ، حَسْبِيَ اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”.
- “يَا رَبِّ، سَلَّمْتُ لَكَ أَمْرِي كُلَّهُ وَاسْتَوْدَعْتُكَ قَلْبِي وَهَمِّي، فَاجْعَلْ لِي مِنْ بَعْدِ ضِيقِي فَرَجًا، وَمِنْ بَعْدِ حُزْنِي سُرُورًا”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وفيها الخير والبركة.
الحكم الشرعي في الأدعية غير المأثورة
الأصل في الدعاء أن يكون بما ورد في الكتاب والسنة، فهذه الأدعية هي أجمع الأدعية وأكملها وأفضلها، ومع ذلك، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من صيغ أخرى، بشرطين أساسيين:
- أن يكون معنى الدعاء صحيحًا: لا يحتوي على شرك أو اعتداء في الدعاء أو مخالفة شرعية.
- ألا يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: لا يجوز اعتقاد أن هذه الصيغة سنة نبوية أو أن لها فضلًا خاصًا لم يرد به دليل.
فالأمر فيه سعة، ولكن الالتزام بالمأثور هو الأسلم والأفضل والأعظم أجرًا.
أذكار وأدعية النوم لإزالة القلق والتوتر
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان له أذكار خاصة يقولها قبل النوم، وهي من أعظم أسباب راحة البال والحفظ من الشرور والكوابيس، ومن هذه الأذكار الصحيحة:
- دعاء النوم الأساسي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال:
“بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ”.
(متفق عليه).
- الدعاء الجامع: وكان يقول أيضًا:
“اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ”.
(صحيح البخاري).
- دعاء الحماية من الشرور:
“أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ”.
(صحيح مسلم).
المصادر والمراجع
- سورة الرعد، الآية 28.
- سورة البقرة، الآية 186.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة طه، الآيات 25-28.
- سورة غافر، الآية 44.
- سورة الحديد، الآية 22.
- سورة آل عمران، الآية 145.
- حديث “ما أصاب أحداً قط همٌّ…”، مسند الإمام أحمد، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “لا إله إلا الله العظيم الحليم…”، صحيح البخاري وصحيح مسلم، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “احرص على ما ينفعك…”، صحيح مسلم، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “من أحب لقاء الله…”، صحيح مسلم، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً…”، صححه ابن حجر، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- أحاديث أذكار النوم، (متفق عليه، صحيح البخاري، صحيح مسلم)، (يمكن مراجعتها على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
- ما هو أفضل دعاء للخوف والقلق الشديد؟
- دعاء الكرب “اللهم إني عبدك، ابن عبدك…” ودعاء “لا إله إلا الله العظيم الحليم…” من أصح الأدعية وأقواها أثرًا بإذن الله، لأنهما وردا في السنة الصحيحة لهذا الغرض تحديدًا.
- هل يجوز قراءة آيات معينة بنية إزالة الخوف؟
- نعم، القرآن كله شفاء وهدى، قراءة أي آية من القرآن الكريم بنية طلب الشفاء والطمأنينة أمر مشروع، خاصة الآيات التي تتحدث عن قدرة الله ورحمته والتوكل عليه، مثل آية الكرسي والمعوذتين.
- ما هو الوقت الأفضل لقول هذه الأدعية؟
- يمكن قول هذه الأدعية في أي وقت يشعر فيه المسلم بالخوف أو القلق، كما يُستحب تحري أوقات إجابة الدعاء مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة.
- هل الأدعية المنتشرة التي لم ترد في السنة صحيحة؟
- كما ذكرنا، يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في السنة بشرط أن تكون معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، لكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة.

