مع نهاية كل عام وبداية عام جديد، يقف المسلم وقفة تأملٍ ومحاسبة، مستشعرًا قيمة الوقت وسرعة انقضائه، إنها فرصة لتجديد العهد مع الله، والتوبة من الزلل، والعزم على الاستقامة، والإكثار من الدعاء الذي هو لب العبادة، الدعاء في كل وقت وحين هو من أعظم القربات، سواء كان ذلك في مناسبة خاصة أو في سائر الأيام.
في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، والتي تصلح لكل زمان ومكان، بالإضافة إلى بعض الصيغ العامة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها، مع بيان وتوضيح للأصول الشرعية ليكون المسلم على بصيرة من أمره.
أدعية جامعة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة لخيري الدنيا والآخرة، ومباركة لأنها وحي من الله أو نطق بها من لا ينطق عن الهوى، يمكن للمسلم أن يدعو بها في كل وقت، بما في ذلك عند بداية عام جديد، بنية طلب الخير والتوفيق فيه.
أدعية من القرآن الكريم:
- الدعاء بخيري الدنيا والآخرة:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]
.
- دعاء لطلب المغفرة والرحمة:
“رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” [البقرة: 286]
.
- دعاء لإصلاح الذرية وقبول العمل:
“رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّnَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ” [إبراهيم: 40]
.
- دعاء لطلب المغفرة للوالدين والمؤمنين:
“رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ” [إبراهيم: 41]
.
أدعية من السنة النبوية الصحيحة:
- دعاء جامع لطلب العفو والعافية:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي.”
(حديث صحيح، رواه أبو داود وابن ماجه، وهو من أذكار الصباح والمساء).
- دعاء سيد الاستغفار:
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ.”
(حديث صحيح، رواه البخاري).
- دعاء تقليب القلوب على الطاعة:
“يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ.”
(حديث صحيح، رواه الترمذي وأحمد).
- دعاء الاستعاذة من العجز والكسل:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ.”
(حديث صحيح، متفق عليه).
صيغ وأدعية عامة شائعة لاستقبال العام الجديد
يتداول الناس بعض الأدعية والصيغ التي يعبرون من خلالها عن آمالهم وتطلعاتهم للعام الجديد، هذه الأدعية، وإن لم تكن مأثورة بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه يجوز الدعاء بها وبأمثالها ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشريعة، حيث إن باب الدعاء واسع.
- اللَّهُمَّ مَعَ بِدَايَةِ هَذَا الْعَامِ الْجَدِيدِ، نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عَامَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ وَأَمْنٍ وَسَلَامٍ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
- يَا رَبِّ، اسْتَوْدَعْنَاكَ عَامًا مَضَى مِنْ أَعْمَارِنَا، فَاغْفِرْ لَنَا مَا كَانَ فِيهِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي عَامِنَا الْجَدِيدِ، وَارْزُقْنَا فِيهِ التَّوْبَةَ النَّصُوحَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلِ السَّنَةَ الْقَادِمَةَ سَنَةَ فَرَجٍ وَسَعَادَةٍ، لَا تَضِيقُ لَنَا فِيهَا صُدُورُنَا، وَاحْفَظْ لَنَا أَهْلَنَا وَأَحِبَّتَنَا، وَحَقِّقْ لَنَا أَمَانِينَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- رَبِّي مَعَ حُلُولِ السَّنَةِ الْجَدِيدَةِ، احْفَظْ أَهْلِي وَأَصْدِقَائِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَأَدِمْ عَلَيْهِمْ لِبَاسَ الْعَافِيَةِ، وَنَوِّرْ بَصَائِرَهُمْ، وَاهْدِهِمْ لِطَرِيقِكَ الْمُسْتَقِيمِ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سَنَةَ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ، وَافْتَحْ عَلَيْنَا فُتُوحَ الْعَارِفِينَ، وَارْزُقْنَا الْحِكْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ فِي كُلِّ خُطُوَاتِنَا، وَاجْعَلْ قُلُوبَنَا عَامِرَةً بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّقْوَى.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه كأدعية مخصصة لبداية العام، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، والدعاء بما تجود به النفس من كلام طيب لا يخالف الشرع هو أمر جائز في عمومه.
حكم تخصيص بداية العام بأدعية أو عبادات معينة
لم يثبت في الشريعة الإسلامية تخصيص يوم بداية العام (الهجري أو الميلادي) بعبادة معينة أو دعاء خاص، فتخصيص زمان معين بعبادة لم يشرعها الله يعتبر من الأمور المحدثة، ولكن، لا حرج على المسلم أن يدعو الله في أي وقت يشاء بما فيه الخير له في دينه ودنياه، وأن يعتبر مرور الأعوام فرصة للمحاسبة والتوبة، فهذا من التفكر المطلوب شرعًا.
فالمسلم يمكنه أن يدعو بالأدعية المأثورة العامة أو بأي دعاء طيب في بداية العام، ليس من باب تخصيص هذا اليوم بعبادة، ولكن من باب أن الدعاء مشروع في كل وقت، وهذه مناسبة للتذكير والتوبة.
التأملات والدروس المستفادة مع تعاقب الأعوام
إن مرور الزمن وتعاقب الأيام يدفع المسلم للوقوف والتأمل في مسار حياته، مستخلصًا الدروس والعبر، ومن أهم هذه القيم التي يجب ترسيخها:
- محاسبة النفس: من الحكمة أن يعتاد المسلم على محاسبة نفسه على ما قدمت، متوقفًا عند التقصير ليتوب منه، وعند الطاعة ليحمد الله عليها ويسأله الثبات، قال تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ” [الحشر: 18]
.
- التوبة الصادقة: بداية العام فرصة لتجديد التوبة من جميع الذنوب، والعزم على عدم العودة إليها، والإكثار من الاستغفار.
- التوكل على الله: يجب أن يكون التوكل على الله هو الأساس في كل خطوة، مع الأخذ بالأسباب المشروعة، والثقة بأن كل ما سيأتي هو بتقدير الله وحكمته.
- إصلاح النية: على المسلم أن يراجع نواياه ويحرص على أن تكون أعماله خالصة لوجه الله تعالى، ساعيًا في كل خطوة لتحقيق رضوانه.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة البقرة، الآية 286.
- سورة إبراهيم، الآية 40.
- سورة إبراهيم، الآية 41.
- سورة الحشر، الآية 18.
- حديث “اللهم إني أسألك العفو والعافية”، (يمكن مراجعته في سنن أبي داود برقم 5074 على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “سيد الاستغفار”، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري برقم 6306 على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “يا مقلب القلوب”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي برقم 2140 على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل”، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري برقم 6367 على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
هل يوجد دعاء مخصص لاستقبال العام الميلادي الجديد في السنة النبوية؟
لا، لم يرد في السنة النبوية المطهرة دعاء مخصص لاستقبال العام الجديد، سواء كان هجريًا أو ميلاديًا، والأدعية الواردة في هذا المقال هي أدعية عامة جامعة للخير يمكن الدعاء بها في كل وقت وحين.
ما هو أفضل ما يمكن أن يفعله المسلم في بداية عام جديد؟
أفضل ما يفعله المسلم هو محاسبة نفسه على ما مضى، والتوبة الصادقة إلى الله، والعزم على فتح صفحة جديدة من الطاعة والعمل الصالح، مع الإكثار من الدعاء العام بطلب الخير والتوفيق والسداد.
هل يجوز الدعاء بالصيغ العامة المنتشرة لبداية العام؟
نعم، يجوز الدعاء بأي صيغة طيبة لا تخالف الشريعة الإسلامية، ما لم يعتقد الداعي أنها سنة مأثورة أو أن لها فضلًا خاصًا في هذا اليوم بالتحديد، فباب الدعاء واسع، والله تعالى يقول:
“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ” [البقرة: 186]
