الدعاء هو ملاذ المؤمن وملجؤه، وهو العبادة التي تصل العبد بربه مباشرةً، خاصة في أوقات الشدائد والمحن، فالمسلم كلما ضاقت به السبل، لجأ إلى الله تعالى بقلبٍ خاشعٍ ونفسٍ منكسرة، موقنًا بأن الله وحده هو كاشف الضر، ومفرّج الكروب، ومجيب دعوة المضطرين، وقد أرشدنا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة إلى أدعية جامعة ومباركة، تُعين المسلم على الصبر وتفتح له أبواب الفرج.
فيما يلي نستعرض مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة التي يُستحب للمسلم أن يدعو بها عند الشدائد، مع بيان مصادرها لضمان الموثوقية والأصالة.
أدعية صحيحة من القرآن والسنة لتفريج الكروب والشدائد
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها البركة والكفاية.
- دعاء نبي الله يونس (دعاء ذي النون): وهو من أعظم الأدعية لتفريج الكروب، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”، (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
 “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]. . 
- دعاء الكرب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الدعاء عند الكرب، وهو دعاء عظيم يشتمل على توحيد الله وتعظيمه.
 “لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ”، (متفق عليه: رواه البخاري ومسلم). . 
- دعاء الهم والحزن: وهو دعاء نبوي شامل لإزالة الهموم والغموم وجلاء الأحزان.
 “اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي”، (رواه أحمد، وصححه الألباني). . 
- دعاء قضاء الدين وزوال الفقر:
 “اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ”، (رواه مسلم). . 
- دعاء الاستعاذة من الهموم والمصاعب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء.
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”، (رواه البخاري). . 
صيغ دعاء عامة ومأثورة عند الشدائد
بالإضافة إلى الأدعية النبوية الثابتة، يتداول الناس بعض الصيغ العامة التي تحمل معاني طيبة في طلب الفرج من الله، يجوز الدعاء بها ما دامت معانيها لا تخالف الشرع، مع العلم أن الأكمل والأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي ﷺ.
- “اللَّهُمَّ يَا فَارِجَ الْهَمِّ، وَكَاشِفَ الْغَمِّ، يَا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، أَنْتَ تَرْحَمُنِي فَارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ”، (هذا الدعاء ورد في حديث، ولكن في سنده ضعف، ومعناه صحيح يمكن الدعاء به).
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي…”، (هذا الدعاء مشهور ويُنسب إلى النبي ﷺ عند عودته من الطائف، وهو مروي في كتب السيرة، إلا أن إسناده ضعيف من الناحية الحديثية، ولكن معناه صحيح ولا حرج في الدعاء به).
تنبيه هام وحكم الأدعية المنتشرة
تنبيه هام: بعض الصيغ المنتشرة بين الناس لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وإن دعا المسلم بأدعية من عنده، فيشترط ألا تحتوي على اعتداء في الدعاء أو مخالفة شرعية، والأفضل دائمًا هو الحرص على الأدعية الثابتة والمأثورة.
أثر الابتلاءات على النفس وأهمية الصبر والدعاء
تُعد الابتلاءات والمحن جزءًا من سنة الله في خلقه، وهي اختبار لصبر المؤمن وصدق إيمانه، قد تترك هذه التجارب أثرًا عميقًا على النفس، فتورث الحزن وتُثقل القلب، ولكنها في الوقت نفسه فرصة لتقوية الصلة بالله وبناء شخصية أكثر صلابة وإيمانًا.
في هذه الأوقات، يجد المؤمن سكينته وطمأنينته في اللجوء إلى الله، مدركًا أن كل ما يصيبه هو بقضاء الله وقدره، وأن مع العسر يسرًا، ويكون الدعاء هو السلاح الأقوى الذي يواجه به مصاعب الحياة، فهو يمنح القلب القوة، ويعزز اليقين بأن الفرج قريب، وأن رحمة الله وسعت كل شيء، إلى جانب الدعاء، تُعد المحافظة على العبادات والطاعات، كالصلاة والصبر والذكر، من أعظم أسباب انكشاف الكروب ونزول السكينة على القلب.
شروط وآداب الدعاء ليكون أرجى للقبول
لكي يكون الدعاء مقبولاً ومستجابًا بإذن الله، ينبغي للمسلم أن يلتزم بمجموعة من الشروط والآداب المستمدة من النصوص الشرعية، ومن أهمها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله، لا يُقصد به رياء أو سمعة.
- اليقين بالإجابة: أن يدعو المسلم وهو موقن بأن الله سيستجيب له، مع حسن الظن بالله وعدم استعجال الإجابة.
- حضور القلب والخشوع: أن يكون الداعي مستشعرًا لعظمة الله وحاجته إليه، متضرعًا خاشعًا بقلبه وجوارحه.
- البدء بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي: من آداب الدعاء أن يبدأه المسلم بحمد الله، ثم يصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويختم به كذلك.
- الإلحاح في الدعاء: تكرار الدعاء وعدم اليأس من رحمة الله من أسباب الإجابة.
- اجتناب الحرام: أن يكون مطعم الداعي ومشربه وملبسه من حلال، فإن ذلك من أعظم أسباب استجابة الدعاء.
- عدم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم: ألا يشتمل الدعاء على ما يغضب الله من المعاصي أو الإضرار بالآخرين.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6346، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2730، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مسند الإمام أحمد، حديث رقم 3712، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3505، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أعظم دعاء لتفريج الكروب؟
يُعد دعاء نبي الله يونس عليه السلام “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” من أعظم الأدعية، حيث أخبر النبي ﷺ أنه ما دعا به مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له، وكذلك دعاء الكرب “لا إله إلا الله العظيم الحليم…” الثابت في الصحيحين.
هل يجوز الدعاء بغير اللغة العربية؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بلغته التي يفهمها ويتقنها، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما في القلوب ويسمع كل اللغات، ولكن الدعاء بالألفاظ الواردة في القرآن والسنة (الأدعية المأثورة) باللغة العربية هو الأفضل والأكمل لمن استطاع.
ما هي أفضل الأوقات لاستجابة الدعاء؟
هناك أوقات وأحوال عديدة يُرجى فيها إجابة الدعاء، منها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود أثناء الصلاة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر.
 
		

