يُعَدُّ دعاء الصائم في شهر رمضان المبارك من أعظم القربات وأرجى العبادات، فالصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو فرصة لتجديد الصلة بالله تعالى وتزكية النفس، ووقت الإفطار هو لحظة مباركة تُرجى فيها إجابة الدعاء، حيث يجتمع على الصائم انكسار النفس وتمام الطاعة، وهي من أسباب القبول بإذن الله.
وقد جاء في السنة النبوية ما يؤكد فضل دعاء الصائم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ…”
(رواه الترمذي وابن ماجه، وهو حديث حسن).
لذا، ينبغي للمسلم أن يحرص على اغتنام هذه اللحظات الثمينة بالدعاء لنفسه وأهله والمسلمين بخيري الدنيا والآخرة.
الأدعية الثابتة والمأثورة عند الإفطار
الأصل في العبادات هو الاتباع، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد وردت في السنة النبوية الشريفة أدعية مأثورة عند الإفطار، وهي كافية ومباركة، ومن أصحها:
- الدعاء الأول (وهو الأصح): عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال:
“ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ”
(رواه أبو داود، وحسنه الألباني)،
شرح موجز: هذا الدعاء يتضمن حمداً لله على نعمة الري بعد العطش، ورجاءً بثبوت أجر الصيام. - الدعاء الثاني (مأثور عن بعض السلف): كان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول عند إفطاره:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي”
(رواه ابن ماجه، وحسّن إسناده بعض أهل العلم)،
توضيح: هذا دعاء عظيم يتوسل فيه العبد إلى الله برحمته الواسعة لطلب المغفرة. - دعاء منتشر وبيان درجته: ينتشر بين الناس دعاء “اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ”،
درجته: هذا الحديث رواه أبو داود وغيره، وهو حديث مرسل (من أنواع الحديث الضعيف)، ومع ذلك، معناه صحيح، ولا بأس بالدعاء به من غير اعتقاد أنه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أدعية جامعة من القرآن والسنة
إلى جانب الأدعية المخصصة للإفطار، يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ومن الأدعية الجامعة المباركة التي وردت في الكتاب والسنة:
- دعاء من القرآن الكريم:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[البقرة: 201].
- دعاء لطلب العفو، خاصة في العشر الأواخر:
“اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”
(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
- دعاء لطلب الثبات وصلاح الأمر:
“يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ”
(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
أمثلة على أدعية منتشرة بين الناس
يتداول بعض الناس صيغاً للدعاء في رمضان، ومعانيها في الغالب حسنة، ولكنها لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته، نورد بعض الأمثلة منها للتوضيح:
- “اللهمّ قوّني فيه على إقامة أمرك، وارزقني في هذا الشهر حب طاعتك، وأذقني حلاوة ذكرك، واجعلني مؤديًا لشكرك بكرمك، واحفظني بحفظك وسترك يا أبصر الناظرين.”.
- “اللهمّ أعنّي فيه على صيامه وقيامه، وجنبني فيه من هفواته وآثامه، وارزقني فيه ذكرك بدوامه، بتوفيقك يا هادي المضلين.”.
- “اللهم اجعلني فيه مِن المُستغفرين، واجعلني فيه مِن عبادك الصّالحين القانتين، واجعلني فيه مِن أوليائك المُقرّبين برأفتك يا أرحم الرّاحمين.”.
- “يا رب وفقني في يومي هذا بأن أكون رحيمًا بالأيتام، وساعيًا في طعام الجائعين، وعاملاً لنشر السلام بين الناس، وارزقني صحبة الكرام برحمتك يا أمل الآملين.”.
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير.
يجوز للمسلم أن يدعو بأي صيغة تحمل معنى طيباً ما لم تتضمن محذوراً شرعياً، ولكن لا يجوز نسبتها إلى الشرع أو تخصيصها بوقت معين أو فضل خاص دون دليل، والأولى والأكمل هو الحرص على الأدعية المأثورة الثابتة.
أهمية الدعاء وأثره على المسلم
الدعاء هو جوهر العبادة والصلة المباشرة بين العبد وربه، والالتزام به، خاصة في الأوقات الفاضلة كرمضان، له آثار عظيمة على حياة المسلم، منها:
- سكون القلب وطمأنينته: يشعر الداعي أنه في معية الله، فيطمئن قلبه وتهدأ نفسه، ويسلم أمره كله لله، مما يخفف عنه مصاعب الحياة.
- البعد عن المعاصي: المداومة على الدعاء تقوي صلة العبد بربه، وتزيد في قلبه مراقبة الله والحياء منه، مما يعينه على الابتعاد عن الذنوب والآثام.
- تيسير الأمور وفتح أبواب الخير: الدعاء من أعظم أسباب التوفيق، فالمسلم الذي يلجأ إلى ربه يرى أثر ذلك في تيسير أموره وقضاء حوائجه وحل مشكلاته.
- صلاح الحال والنفس: بالقرب من الله عبر الدعاء، يجد المسلم صلاحاً في نفسه، وانشراحاً في صدره، وسعادة داخلية لا تتأثر بظروف الحياة المتقلبة.
- دفع البلاء ورفعه: الدعاء سلاح المؤمن، وهو من أقوى الأسباب في دفع البلاء قبل وقوعه، ورفعه بعد نزوله، كما قال تعالى:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”
[غافر: 60].
شروط صحة الصيام خلال شهر رمضان
لكي يكون صيام المسلم صحيحاً ومقبولاً شرعاً، يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية:
- الإسلام: فالصيام عبادة خاصة بالمسلمين، وهو شرط قبول لجميع الأعمال.
- العقل: فلا يجب الصيام على فاقد العقل كالمجنون، لأنه ليس من أهل التكليف.
- البلوغ: الصيام واجب على كل مسلم بالغ، أما الأطفال فيؤمرون به تدريباً لهم على الطاعة دون إلزام.
- القدرة: يجب أن يكون المسلم قادراً على الصيام بدنياً، فالمريض مرضاً يضره الصوم، أو المسافر، لهما رخصة في الإفطار مع وجوب القضاء، قال تعالى:
“وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ”
[الحج: 78].
- الخلو من الموانع الشرعية: بالنسبة للمرأة، يشترط أن تكون طاهرة من الحيض والنفاس، وعليها قضاء الأيام التي أفطرتها بسبب ذلك.
حكم الإفطار في رمضان بغير عذر شرعي
الإفطار العمد في نهار رمضان من غير عذر شرعي يُعد من كبائر الذنوب وانتهاكاً لحرمة ركن عظيم من أركان الإسلام، وهو فعل يوجب غضب الله وعقابه، ومع ذلك، فإن باب التوبة مفتوح، من ارتكب هذا الذنب وجب عليه التوبة الصادقة والندم الشديد، مع العزم على عدم العودة إليه، وعليه أيضاً قضاء ذلك اليوم الذي أفطره.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة غافر، الآية 60.
- سورة الحج، الآية 78.
- حديث “ثلاثة لا ترد دعوتهم”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 3598 على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “ذهب الظمأ…”، (يمكن مراجعته في سنن أبي داود، حديث رقم 2357 على موسوعة الدرر السنية).
- دعاء عبد الله بن عمرو، (يمكن مراجعته في سنن ابن ماجه، حديث رقم 1753 على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إنك عفو…”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 3513 على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
س1: ما هو أصح دعاء ورد عند الإفطار؟
ج: أصح ما ورد هو قول: “ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ”، وهو حديث حسن رواه أبو داود.
س2: متى يبدأ وقت دعاء الصائم المستجاب؟
ج: دعاء الصائم مستجاب طوال يومه، ويتأكد استحبابه عند الإفطار، أي في اللحظات التي تسبق أذان المغرب مباشرة، لأنها لحظة تمام العبادة والانكسار لله.
س3: هل يجوز لي أن أدعو بأمور الدنيا عند الإفطار؟
ج: نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، كطلب الرزق الحلال، والذرية الصالحة، والنجاح في العمل أو الدراسة، فالله تعالى يحب أن يسأله عبده جميع حوائجه.

