يُعَدُّ دُعَاءُ “اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ” مِنْ أَعْظَمِ الأَدْعِيَةِ المَأْثُورَةِ وَأَجَلِّهَا، وَيَحْتَلُّ مَكَانَةً خَاصَّةً لَدَى المُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِخَيْرَيِّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، يَتَضَمَّنُ هَذَا الدُّعَاءُ إِقْرَارًا كَامِلًا بِافْتِقَارِ العَبْدِ إِلَى رَبِّهِ، وَتَوَسُّلًا إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ العُلَا لِتَحْصِيلِ الهِدَايَةِ وَالعَافِيَةِ وَالوِلَايَةِ وَالبَرَكَةِ، إِنَّهُ يَعْكِسُ تَسْلِيمًا مُطْلَقًا لِقَضَاءِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ، وَاسْتِعَانَةً بِهِ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ، مِمَّا يُعَزِّزُ يَقِينَ المُؤْمِنِ وَيُقَوِّي صِلَتَهُ بِخَالِقِهِ.

النص الصحيح لدعاء القنوت “اللهم اهدنا فيمن هديت”

هذا الدعاء هو الصيغة التي علّمها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لسبطه الحسن بن علي -رضي الله عنهما- ليقولها في قنوت الوتر، وهو من الأدعية المباركة التي تجمع جوامع الكلم، وقد ورد في السنة النبوية المطهرة بسند صحيح.

عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علَّمني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلماتٍ أقولُهنَّ في قُنوتِ الوِترِ:

“اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ.”

المصدر: رواه أبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي (1745)، وابن ماجه (1178)، وصححه الألباني.

شرح معاني دعاء القنوت

يتميز هذا الدعاء بعمق معانيه وشموليتها، وفيما يلي شرح موجز لأجزائه الرئيسية:

• “اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ”: طلب لأعظم نعمة، وهي الهداية بنوعيها: هداية الإرشاد إلى العلم النافع والحق، وهداية التوفيق للعمل الصالح، فكأنك تسأل الله أن يجعلك في زمرة عباده المهديين.
• “وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ”: سؤال الله العافية الشاملة؛ وهي السلامة في الدين من الفتن، وفي البدن من الأمراض والأسقام، وفي العقل من الشبهات والضلالات.
• “وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ”: طلب للولاية الخاصة من الله، وهي رعايته لعبده المؤمن، وتوفيقه ونصره وتأييده، فمن تولاه الله، فقد فاز فوزًا عظيمًا.
• “وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ”: دعاء بالبركة في كل ما وهبه الله للعبد من نعم، كالمال والعلم والأهل والولد والعمر، فالبركة هي ثبوت الخير وزيادته، وبدونها تُنزع فائدة النعم.
• “وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ”: استعاذة بالله من شرور الأقدار، مع التسليم بأن قضاء الله كله خير وحكمة، ولكن قد يكون في ظاهره شر للعبد، كالأمراض والمصائب، فالدعاء هنا هو طلب الوقاية من آثارها المؤلمة.
• “فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ”: إثبات لكمال حكم الله ونفاذ أمره، فهو سبحانه الحاكم الذي لا مُعقِّب لحكمه، ولا يملك أحد أن يفرض عليه شيئًا.
• “وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، [وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ]”: بيان لأثر ولاية الله؛ فمن كان الله وليه فلن يُهزم ولن يُذل، ومن عاداه الله فلن يجد العزة أبدًا، (الزيادة بين القوسين حسّنها بعض أهل العلم).
• “تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”: ختام للدعاء بتعظيم الله وتنزيهه، فـ “تباركت” تعني كثر خيرك وعم فضلك، و”تعاليت” تعني تنزهت وتقدست عن كل نقص وعيب.

صيغ وأدعية إضافية شائعة في القنوت

ينتشر بين الناس إضافة بعض الأدعية العامة إلى دعاء القنوت المأثور، وهي في مجملها أدعية حسنة المعنى، ومن أمثلة ذلك:

• “فَلَكَ الحَمدُ عَلى ما قَضَيْت، وَلَكَ الشُّكرُ عَلى ما أَنْعَمتَ بِهِ عَلَينا وأَوْلَيت، نَستَغفِرُكَ يا رَبَّنا مِن جمَيعِ الذُّنوبِ والخَطايا ونَتوبُ إليك…”.
• “اللّهم اقسِم لَنا مِن خَشيَتِكَ ما تَحولُ بِهِ بَينَنا وبَينَ مَعصِيَتِك، وَمِن طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ جَنَّتَك، وَمِنَ اليَقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ عَلَينا مَصائِبَ الدُّنيا…”.
• “اللهم إنا نسألك إيمانًا كاملًا ويقينًا صادقًا وقلبًا خاشعًا…”.
• “اللَّهُمَّ لا تَدَعْ لنا ذَنبًا إلا وغَفَرْتَهُ ولا هَمًّا إلا وفَرَّجْتَهُ…”.

تنبيه هام وحكم الزيادة على الدعاء المأثور

تنبيه وإخلاء مسؤولية: الصيغ الإضافية المذكورة أعلاه هي أدعية عامة يتداولها بعض الناس والأئمة في القنوت، ولم تثبت كجزء من نص الحديث الأصلي الذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- للحسن بن علي رضي الله عنهما، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهو كافٍ وشامل ومبارك.

أما عن حكم الزيادة، فقد أجاز أهل العلم الدعاء في قنوت الوتر بأدعية أخرى بعد الدعاء المأثور، بشرط ألا يُعتقد أنها من السنة، وألا تكون فيها اعتداء في الدعاء، والأفضل والأكمل هو الاقتصار على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أعلم الخلق بما يُدعى به الله.

تحميل نص دعاء اللهم اهدنا فيمن هديت بصيغة PDF

لتسهيل الوصول إلى النص الصحيح للدعاء وحفظه، يمكنكم تحميله بصيغة PDF، يُنصح دائمًا بالاعتماد على النسخ التي تقتصر على النص الوارد في السنة النبوية لضمان الدقة.

• رابط تحميل دعاء القنوت الصحيح PDF اضغط هنا.

المصادر والمراجع

الأسئلة الشائعة (FAQs)

ما هو النص الصحيح لدعاء “اللهم اهدنا فيمن هديت”؟

النص الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو: “اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ.”

متى يُقال دعاء القنوت هذا؟

يُقال هذا الدعاء في قنوت صلاة الوتر، وذلك بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة، وهو الموضع الأشهر عند جمهور الفقهاء.

ما حكم الزيادة على هذا الدعاء في صلاة الوتر؟

تجوز الزيادة على الدعاء المأثور بأدعية أخرى مناسبة من القرآن والسنة أو الأدعية العامة، بشرط ألا يُعتقد أن هذه الزيادات جزء من النص النبوي الأصلي، ومع ذلك، فإن الاقتصار على الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل والأعظم بركة.

هل الصلاة على النبي في آخر القنوت من السنة؟

نعم، ثبت عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر دعاء القنوت، وهو فعل حسن ومشروع.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر