إن الظلم من أشد ما يقع على النفس البشرية، وهو من الكبائر التي حرمها الله تعالى على نفسه وجعلها بين عباده محرمة، ففي الحديث القدسي يقول الله عز وجل:
“يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا”
(رواه مسلم)، ولأن الله هو العدل، فقد جعل لدعوة المظلوم مكانة خاصة، ووعد بنصرته ولو بعد حين، فبابه سبحانه مفتوح لكل مكروب ومقهور، يجد فيه الأمان والسكينة واليقين بأن الحق لا يضيع.
وعلى المظلوم أن يدرك أن ضعفه وقلة حيلته في الدنيا لا تعني الهزيمة، بل هي بداية اللجوء إلى القوي العزيز، الذي يسمع شكواه ويرى حاله، وينصره على من ظلمه نصراً عزيزاً في الدنيا أو يدخر له الأجر العظيم في الآخرة.
أدعية صحيحة للمظلوم من القرآن والسنة
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تشمل خيري الدنيا والآخرة، ومن الأدعية الصحيحة التي يمكن للمظلوم أن يدعو بها:
- دعاء نبي الله يونس عليه السلام: وهو دعاء عظيم لتفريج الكروب، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له” (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]
.
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام على فرعون وملئه: وهو دعاء على الظالمين المتجبرين.
“وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ” [يونس: 88]
.
- الدعاء العام من السنة النبوية: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”
(رواه مسلم)، وهو دعاء شامل يمكن أن يدعو به المظلوم بنية رفع الظلم وإصلاح الحال.
صيغ وأدعية عامة يمكن للمظلوم الاستئناس بها
إلى جانب الأدعية المأثورة، يمكن للمسلم أن يدعو الله بأسلوبه الخاص وبما يفيض به قلبه من شكوى وحاجة، فاللجوء إلى الله لا يقتصر على صيغ محفوظة، وهذه بعض الأمثلة على أدعية عامة يتداولها الناس، يمكن الاستئناس بمعانيها للدعاء بما يناسب حال المظلوم:
- يا رب، إن الظالم قد استقوى بسلطانه في الدنيا، وأنا عبدك الضعيف لا حول لي ولا قوة إلا بك، اللهم إنه مكر بي، وتجبر علي، فأسألك يا جبار السماوات والأرض أن تأخذه أخذ عزيز مقتدر، وأن تريني فيه عجائب قدرتك، فقد قلت وقولك الحق: “وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ”.
- اللهم يا من لا تخفى عليه خافية، ويا من تسمع أنين المظلومين، أشكو إليك ضعفي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت ربي ورب المستضعفين، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي.
- اللهم إليك أشكو ظلم فلان، اللهم اكفنيه بما شئت وكيف شئت، إنك على كل شيء قدير، اللهم عليك به فإنه لا يعجزك، واجعل كيده في نحره، وتدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، أو أن يدعو المسلم بقلب خاشع بما يفتح الله عليه من كلام يناسب حاله، دون التزام بصيغ محددة لم يرد بها دليل.
ما هو الأولى للمظلوم: الدعاء على الظالم أم له؟
يجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه بقدر مظلمته دون تعدٍّ، كما فعل نبي الله موسى عليه السلام، ولكن العفو والصفح والدعاء للظالم بالهداية هو مرتبة أعلى وأعظم أجراً عند الله، قال تعالى:
“وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” [الشورى: 40]
، والأفضل للمظلوم أن يجمع بين طلب حقه من الله والدعاء لنفسه بصلاح الحال وتفريج الكرب، وأن يفوض أمره كله لله، فهو سبحانه أعلم بما يصلح عباده.
إرشادات شرعية لمن وقع عليه الظلم
إن من حكمة الله تعالى أن جعل الابتلاء سبيلاً لرفعة الدرجات وتكفير السيئات، وعلى من وقع عليه الظلم أن يتصرف بحكمة ويقين، وهذه بعض الإرشادات المستمدة من الشرع:
1، اليقين بنصر الله
أول ما يجب على المظلوم استحضاره هو اليقين التام بأن الله ناصره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّهَا ليسَ بيْنَهَا وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ”
(متفق عليه)، هذا الحديث يمنح المظلوم قوة وطمأنينة بأن صوته مسموع ودعاءه مستجاب بإذن الله.
2، الصبر واحتساب الأجر
الصبر على البلاء من أعظم العبادات، والمظلوم الذي يصبر ويفوض أمره إلى الله قائلاً “حسبي الله ونعم الوكيل” ينال أجراً عظيماً، هذه الكلمة هي تفويض كامل لله، وإعلان بأن الله وحده كافٍ لعبده ونصير له، قال تعالى عن المؤمنين:
“الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ” [آل عمران: 173]
.
3، تحري أوقات إجابة الدعاء
على المظلوم أن يكثر من الدعاء، وأن يتحرى أوقات الإجابة المباركة، مثل:
- جوف الليل الآخر: حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فيقول: “هل من داع فأستجيب له؟”.
- بين الأذان والإقامة..
- في السجود: حيث يكون العبد أقرب ما يكون من ربه.
- يوم الجمعة: خاصة في الساعة الأخيرة قبل المغرب.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة يونس، الآية 88.
- سورة الشورى، الآية 40.
- سورة آل عمران، الآية 173.
- حديث “اتق دعوة المظلوم”، (صحيح البخاري، حديث رقم 2448، وصحيح مسلم، حديث رقم 19)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “دعوة ذي النون”، (سنن الترمذي، حديث رقم 3505)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم أصلح لي ديني”، (صحيح مسلم، حديث رقم 2720)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث قدسي “يا عبادي إني حرمت الظلم”، (صحيح مسلم، حديث رقم 2577)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول دعاء المظلوم
- ما هو أفضل دعاء للمظلوم من السنة النبوية؟
- أفضل ما يدعو به المظلوم هو الأدعية الجامعة للخير، مثل دعاء تفريج الكرب “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، وأن يقول “حسبي الله ونعم الوكيل”، ويدعو الله بإصلاح حاله وتفريج همه، فالدعاء بصدق ويقين هو مفتاح الإجابة.
- هل دعوة المظلوم مستجابة حتى لو كان كافراً؟
- نعم، دعوة المظلوم مستجابة ولو كان كافراً، فالله عدلٌ حرم الظلم على نفسه، ويستجيب للمظلوم من باب عدله سبحانه لا من باب محبته للكافر، وهذا يدل على خطورة الظلم وعظم شأنه عند الله.
- ما الفرق بين الدعاء على الظالم والدعاء له؟ وأيهما أفضل؟
- الدعاء على الظالم بقدر مظلمته جائز شرعاً، أما الدعاء له بالهداية والصلاح فهو من باب العفو والإحسان، وهو مرتبة أعلى وأعظم أجراً عند الله، ويدل على سمو نفس المظلوم وقوة إيمانه، والأفضل يعتمد على حال قلب المظلوم وقدرته على العفو.

