يُعد ختم القرآن الكريم من أعظم النعم التي يمنّ الله بها على عبده، وهو مناسبة جليلة وموطن من مواطن إجابة الدعاء، وعلى الرغم من أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاءٌ مخصصٌ بلفظه لختم القرآن، إلا أن الدعاء بعد إتمام هذه العبادة العظيمة هو أمرٌ مستحبٌ وفعله بعض السلف الصالح، فهو وقتٌ مباركٌ يُرجى فيه القبول.

فيما يلي مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في هذا المقام المبارك، مع التأكيد على أهمية الإخلاص واليقين بالإجابة.

أدعية جامعة من القرآن الكريم والسنة النبوية

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة لخيري الدنيا والآخرة، ومباركة بنص الوحي، ومن أفضل ما يُدعى به عند ختم القرآن:

• دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة: وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم.
  

  “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”

  (المصدر: سورة البقرة، الآية 201)..

• دعاء صلاح الدين والدنيا والآخرة: دعاء نبوي عظيم يجمع للمرء أموره كلها.
  

  “اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ.”

  (المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2720)..

• دعاء الاستعانة والنصر والهداية:
  

  “رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الهُدَى إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوَّاهًا مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي.”

  (المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3551، قال الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح”)..

• دعاء تفريج الهم وجلاء الحزن بالقرآن:
  

  “اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي.”

  (المصدر: مسند الإمام أحمد، حديث رقم 3712، صححه الألباني)..

• دعاء الوقاية من المعاصي وطلب الطاعة:
  

  “اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا.”

  (المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3502، قال الترمذي: “هذا حديث حسن غريب”)..

حكم تخصيص دعاء معين لختم القرآن

من المهم التنبيه على أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص بصيغة محددة لختم القرآن الكريم، الدعاء المنتشر بين الناس اليوم على أنه “دعاء ختم القرآن” هو دعاء من تأليف بعض العلماء، يُعتقد أنه لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو دعاء جيد في معناه ومضمونه، لكن لا يجوز اعتقاد أن له فضيلة خاصة أو أنه سنة نبوية واجبة أو مستحبة بلفظها.

الأمر في الدعاء واسع، فيمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، والأفضل هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة الصحيحة كما ذكرنا أعلاه، فهي أجمع للخير وأعظم في البركة.

صيغ شائعة ومنسوبة للعلماء

يتداول الكثير من الناس أدعية مطوّلة عند ختم القرآن، منها ما يُنسب للشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله وغيره من العلماء، هذه الأدعية هي في معظمها تجميع لأدعية مأثورة وصيغ حسنة من إنشاء هؤلاء العلماء، وهي مقبولة في معناها العام، نذكر هنا مثالاً على هذه الصيغ للاسترشاد:

• “اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بالقُرْآنِ وَاجْعَلهُ لِي إِمَامًا وَنُورًا وَهُدًى وَرَحْمَةً، اللَّهُمَّ ذَكِّرْنِي مِنْهُ مَا نَسِيتُ وَعَلِّمْنِي مِنْهُ مَا جَهِلْتُ وَارْزُقْنِي تِلاَوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ وَاجْعَلْهُ لِي حُجَّةً يَا رَبَّ العَالَمِينَ.”.
• “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ المَسْأَلةِ، وَخَيْرَ الدُّعَاءِ، وَخَيْرَ النَّجَاحِ، وَخَيْرَ العِلْمِ، وَخَيْرَ العَمَلِ، وَخَيْرَ الثَّوَابِ، وَخَيْرَ الحَيَاةِ، وَخَيْرَ المَمَاتِ، وَثَبِّتْنِي وَثَقِّلْ مَوَازِينِي وَحَقِّقْ إِيمَانِي وَارْفَعْ دَرَجَتِي وَتَقَبَّلْ صَلاَتِي وَاغْفِرْ خَطِيئَاتِي وَأَسْأَلُكَ العُلَا مِنَ الجَنَّةِ.”.

تنبيه هام: هذه الصيغ وغيرها مما يتداوله بعض الناس، هي اجتهادات وصيغ حسنة المعنى، ولكنها لم تثبت بسند صحيح متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية وشاملة ومباركة، ومن دعا بها فقد دعا بخيري الدنيا والآخرة.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة (FAQs)

س1: هل يوجد دعاء ثابت عن النبي لختم القرآن؟

ج: لا، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مخصص بلفظه لختم القرآن، ولكن الدعاء بعد إتمام العبادات العظيمة أمر حسن، ويُستحب للمسلم أن يدعو بما يشاء من الأدعية الجامعة من القرآن والسنة.

س2: ما هو أفضل وقت لدعاء ختم القرآن؟

ج: يمكن الدعاء بعد قراءة آخر سورة من القرآن مباشرة، سواء كان ذلك داخل الصلاة (بعد القراءة وقبل الركوع في الركعة الأخيرة) أو خارج الصلاة، وقد ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا.

س3: هل يجوز قراءة الدعاء المنتشر لختم القرآن؟

ج: نعم، يجوز الدعاء به وبغيره من الأدعية التي ليس فيها محظور شرعي، على ألا يُعتقد أنه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن له فضلاً خاصاً على غيره من الأدعية المأثورة، الأولى والأفضل هو الدعاء بجوامع الكلم من القرآن والسنة الصحيحة.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر