يُعد دعاء دخول المسجد من السنن النبوية الثابتة التي واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحثّ عليها أمته، وقد نقل الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- هذه الأدعية المباركة بدقة، لتكون هديًا يقتدي به المسلمون، واتباعًا كاملًا لسنته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، تحمل هذه الأدعية معاني جليلة، من أبرزها طلب رحمة الله تعالى، والتحصن به من الشيطان الرجيم، مما يجعل المداومة عليها علامةً على تعظيم شعائر الله والالتزام بهدي النبي الكريم.

الصيغ الصحيحة الواردة في دعاء دخول المسجد

وردت في السنة النبوية المطهرة عدة صيغ صحيحة لدعاء دخول المسجد، وكلها مباركة ويجوز للمسلم الدعاء بأي منها، نورد هنا أبرز ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:

• الصيغة الأولى: الاستعاذة بالله وطلب الرحمة
  عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا دخل المسجد قال:

  “أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ”، قَالَ: أَقَطْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: “فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ”.

  (المصدر: سنن أبي داود، حديث صحيح)، هذا الدعاء العظيم يجمع بين تعظيم الله واللجوء إليه للحماية من كيد الشيطان.

• الصيغة الثانية: الصلاة على النبي وطلب الرحمة
  عن أبي حميد أو عن أبي أسيد -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

  “إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ”.

  (المصدر: صحيح مسلم)، وفي روايات أخرى صحيحة، يُستحب الجمع بين الصلاة على النبي وهذا الدعاء.

• صيغ أخرى ثابتة:
  وردت روايات أخرى تجمع بين الذكر والصلاة على النبي وطلب المغفرة، مثل ما رُوي عن فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال:

  “رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ”.

  (المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح).

آداب دخول المسجد

لا تقتصر سنة النبي صلى الله عليه وسلم على الأدعية القولية فقط، بل تشمل آدابًا عملية تعبر عن تعظيم بيوت الله، قال تعالى في كتابه الكريم:

﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ…﴾ [الأعراف: 31]

وتشمل هذه الآداب ما يلي:

• الطهارة والنظافة: أن يكون المسلم متطهراً، نظيف الجسد والثياب.
• الزينة اللائقة: ارتداء ملابس حسنة تليق بمقام الصلاة والوقوف بين يدي الله.
• تقديم الرجل اليمنى: من السنة أن يقدم المسلم رجله اليمنى عند دخول المسجد.
• السكينة والوقار: المشي إلى المسجد بسكينة ووقار دون إسراع.

صيغة مُبسّطة لتعليم الأطفال

لغرس هذه السنة المباركة في نفوس الصغار، يمكن تعليمهم صيغة سهلة ومختصرة تجمع أصول هذا الدعاء، ليسهل عليهم حفظها والمواظبة عليها، يمكن تعليمهم قول:

• بِسْمِ الله.
• اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد.
• اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ.

تنبيه هام: هذه الصيغة هي تجميع للعناصر الصحيحة الواردة في الأحاديث (التسمية، الصلاة على النبي، طلب الرحمة) بهدف التيسير على الأطفال، وليست نصًا واحدًا ورد بهذه الهيئة في حديث محدد، والأكمل هو حفظ الصيغ المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما هي.

فضل دعاء دخول المسجد وأثره

إن الالتزام بأدعية دخول المسجد والخروج منه له فضل عظيم وأثر روحي كبير على المسلم، ومن ذلك:

1. اتباع السنة ونيل الأجر: ففي كل مرة يلتزم فيها المسلم بهذا الدعاء، فإنه يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم وينال أجر الاتباع.
2. التحصين من الشيطان: كما ورد في حديث عبد الله بن عمرو، فإن قول الدعاء المأثور يحفظ المسلم من الشيطان سائر يومه، مما يعينه على الخشوع في صلاته وعبادته.
3. استحضار عظمة العبادة: بدء دخول بيت الله بالدعاء يهيئ القلب والنفس للعبادة، ويُشعر المسلم بانتقاله من شؤون الدنيا إلى حضرة العبادة والوقوف بين يدي الله.
4. طلب الرحمة والمغفرة: الدعاء بطلب الرحمة والمغفرة هو اعتراف من العبد بحاجته وفقره إلى الله، وهو من أعظم أسباب نيلها.

دعاء دخول المسجد والخروج منه

كما أن للدخول دعاءً، فإن للخروج من المسجد دعاءً وسنةً أيضًا، فمن السنة أن يقدم المسلم رجله اليسرى عند الخروج، ويدعو بالدعاء المأثور الذي أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم.

• عن أبي حميد أو أبي أسيد -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “…وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ“، (المصدر: صحيح مسلم).
• وفي رواية أخرى صحيحة، يُستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول: “اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ“، (المصدر: صحيح ابن ماجه).

وهذه الأدعية تُذَكِّر المسلم بأنه وإن خرج من بيت العبادة، فإنه لا يستغني عن فضل الله وحفظه في كل أموره وشؤونه.

نص دعاء الذهاب إلى المسجد

إن المشي إلى المسجد بحد ذاته عبادة عظيمة، تُمحى بها الخطايا وتُرفع بها الدرجات، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «…وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ..، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» (صحيح مسلم)، وقد ورد دعاء عظيم يُستحب قوله أثناء الذهاب إلى المسجد، وهو:

• عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وهو يقول:
  

  “اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا”.

  (المصدر: متفق عليه).

هذا الدعاء المبارك يملأ قلب المؤمن وحياته نورًا وهداية، ويجعله يستشعر معية الله وتوفيقه في طريقه إلى بيته وفي كل أموره.

أسئلة شائعة حول دعاء دخول المسجد

ما هو أفضل دعاء لدخول المسجد؟

كل الصيغ التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم فاضلة ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بأي منها، أو يجمع بينها، كأن يقول: “بِسْمِ اللهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَعُوذُ بِاللهِ الْعَظِيمِ..، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ”.

هل يجب تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد؟

نعم، من السنة المستحبة تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد، وتقديم الرجل اليسرى عند الخروج منه، اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من باب التيامن في الأمور الطيبة.

ما حكم من نسي قول دعاء دخول المسجد؟

دعاء دخول المسجد سنة مستحبة وليس واجبًا، من نسيه ودخل المسجد فلا إثم عليه، ولكن فاته أجر اتباع هذه السنة، ويمكنه أن يتدارك الذكر وهو داخل المسجد.

هل هناك دعاء محدد للخروج من المسجد؟

نعم، وردت أدعية صحيحة للخروج من المسجد، أشهرها: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ”، و”اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ”.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر