إن الإيمان بالقضاء والقدر ركنٌ أساسي من أركان الإيمان، ويعني التسليم بأن كل ما يقع في الكون هو بتقدير الله عز وجل وعلمه وحكمته، ورغم أن الأقدار مكتوبة، فقد جعل الله سبحانه الدعاء سبباً عظيماً من أسباب جلب الخير ودفع البلاء، فهو عبادةٌ تُظهر افتقار العبد لربه وتوكله عليه، وقد دلّت النصوص الشرعية على أن الدعاء له أثرٌ في الأقدار بإذن الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ”
(حديث حسن، رواه الترمذي).
وهذا يعني أن الدعاء من قدر الله أيضاً، وأن الله قد يكتب أمراً معلقاً على سبب، كأن يكتب لعبده الشفاء إذا دعاه، أو يرفع عنه بلاءً إذا تضرّع إليه.
أدعية ثابتة من القرآن والسنة لطلب الخير ودفع البلاء
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة مباركة، ومنها:
- دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة: وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم.
 “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” (سورة البقرة: 201). 
- دعاء الاستعاذة من سوء القضاء: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الأمور التي تسوء العبد في دينه ودنياه.
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ” (حديث صحيح، رواه البخاري). 
- دعاء الكرب وتفريج الهم: وهو دعاء نبي الله يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت، وما دعا به مكروب إلا فرّج الله عنه.
 “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” (سورة الأنبياء: 87). 
أدعية عامة في طلب اللطف وتيسير الأمور
يتداول الناس بعض الصيغ الدعائية التي لم ترد في نصوص شرعية محددة، ولكن معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، فيجوز الدعاء بها على سبيل العموم لطلب اللطف والرحمة من الله، ومن أمثلة ذلك:
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِلُطْفِكَ أَنْ تَكْتُبَ لَنَا الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ تُرَضِّيَنَا بِهِ، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ فِي أَقْدَارِنَا مَا يُحْزِنُ قُلُوبَنَا وَلَا مَا يُثْقِلُ أَرْوَاحَنَا.
- يَا رَبِّ، اصْرِفْ عَنِّي سُوءَ القَضَاءِ، وَيَسِّرْ لِي كُلَّ عَسِيرٍ، وَكُنْ مَعِي فِي لَحَظَاتِ الضِّيقِ وَفَرِّجْ عَنِّي كُلَّ كَرْبٍ، وَارْزُقْنِي الصَّبْرَ فِي البَلَاءِ وَالعِوَضَ الجَمِيلَ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ عُسْرٍ يُسْرًا، وَاحْفَظْنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَسُوءٍ، وَابْعِدْ عَنِّي المَصَائِبَ وَالمَكَارِهَ.
- اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا أَنَا فِيهِ بِسَبَبِ ذَنْبٍ فَاغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، فَبَدِّلْ سَيِّئَاتِي حَسَنَاتٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، والدعاء بها أعظم أجراً وأرجى للقبول.
سُبل تحقيق الرضا بقضاء الله وقدره
في أوقات الشدائد، يتعين على المسلم أن يستعين بالله ويلجأ إليه بالدعاء، مع التمسك بالرضا بما قسمه الله له، وفهم حكمة الابتلاء يعزز الصبر ويقوي التوكل على الله، ومن الأسباب المعينة على ذلك:
1، تكفير السيئات ورفع الدرجات
تُعد البلاءات التي تصيب المؤمن وسيلة لتكفير الذنوب وتطهيره من الخطايا، كما بيّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:
“مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ”
(حديث حسن صحيح، رواه الترمذي)
2، اليقين بأن اختيار الله هو الخير
ما يقدّره الله لعبده هو الخير له دائمًا، حتى وإن لم يدرك الحكمة في البداية، فالله سبحانه أعلم بما يصلح عباده، وقد أكّد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ بقوله:
“عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ”
(حديث صحيح، رواه مسلم)
3، الصبر والاسترجاع جزاؤه الرحمة والهداية
الرضا بقضاء الله والصبر عند المصيبة من سمات عباد الرحمن الذين وعدهم الله بالبشارة والرحمة والهداية في كتابه الكريم:
“وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”
(سورة البقرة: 155-157)
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة البقرة، الآيات 155-157.
- حديث “لا يرد القضاء إلا الدعاء”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 2139، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء…”، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري، حديث رقم 6347، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “ما يزال البلاء بالمؤمن…”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 2399، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “عجباً لأمر المؤمن…”، (يمكن مراجعته في صحيح مسلم، حديث رقم 2999، على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما معنى أن الدعاء يرد القضاء؟
معنى الحديث أن الدعاء سبب لرفع البلاء، فكلاهما من قدر الله، فالله قد يقدّر نزول بلاء على عبد، ويقدّر أيضاً أن هذا العبد سيدعوه، فيرفع عنه ذلك البلاء بسبب دعائه، فالدعاء والبلاء يتعالجان، وغالباً ما يغلب الدعاء إذا كان بإخلاص ويقين.
ما هو أفضل دعاء لطلب الخير وتخفيف البلاء؟
أفضل الأدعية وأجمعها هي ما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل دعاء “ربنا آتنا في الدنيا حسنة…”، ودعاء الاستعاذة من سوء القضاء، ودعاء الكرب “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”.
هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في السنة النبوية؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة وبأي صيغة، بشرط ألا تحتوي على اعتداء في الدعاء أو إثم أو قطيعة رحم، ومع ذلك، يبقى الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.
 
		
