تُعد سورة النور من السور المدنية العظيمة في القرآن الكريم، والتي تركز على بناء المجتمع المسلم الطاهر، وإرساء قواعد العفة والأخلاق، وحفظ الأعراض، ومحور السورة هو “النور” الإلهي الذي يهدي القلوب والبصائر إلى الحق، ورغم ارتباط السورة بمفاهيم النور والهداية، فإنه من المهم التوضيح أنه لم يرد في السنة النبوية الصحيحة دعاء مخصص يُقال بعد قراءة سورة النور على وجه الخصوص، إنما فضيلتها تكمن في تلاوة آياتها، وتدبر معانيها، والعمل بأحكامها، والدعاء بما فيها من هدايات وبما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أدعية تناسب مقاصدها.
إن القرآن الكريم كله شفاء وهدى، ويمكن للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه بعد تلاوته، سائلاً إياه من نوره وهدايته، ومستلهماً من المعاني الجليلة التي تحملها آيات السورة الكريمة.
معلومات أساسية حول سورة النور
- اسم السورة: سورة النُّور.
- مكان النزول: مدنية، نزلت جميع آياتها بالمدينة المنورة بعد الهجرة.
- عدد الآيات: 64 آية.
- الترتيب في المصحف: السورة الرابعة والعشرون (24)، وتقع في الجزء الثامن عشر.
- مواضع السجود: لا تحتوي السورة على سجدة تلاوة.
أدعية صحيحة لطلب النور والبصيرة من السنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الاتباع، وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية عظيمة تتوافق مع مقاصد سورة النور في طلب الهداية والنور القلبي، هذه الأدعية هي الكافية الشافية لمن أراد أن يستنير بنور الله.
1، دعاء طلب النور في كل الجوارح
هذا الدعاء من أجمع الأدعية في طلب النور، وهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
“اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا”.
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
2، دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة
من الأدعية القرآنية الجامعة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً، وفيها سؤال الله الهداية والصلاح.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
المصدر: سورة البقرة، الآية 201.
3، دعاء الاستصلاح الشامل
هذا الدعاء من الأدعية النبوية العظيمة التي يسأل فيها العبد ربه صلاح شأنه كله، وهو مناسب لمن يطلب الهداية والتوفيق.
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”.
المصدر: صحيح مسلم.
صيغ شائعة وأدعية عامة مستوحاة من معاني السورة
يتداول بعض الناس صيغاً للدعاء ينسبونها لسورة النور، وهي في حقيقتها أدعية عامة لم ترد في كتاب أو سنة، ولكنها تعبر عن معانٍ مستوحاة من السورة مثل طلب النور والبصيرة وتيسير الزواج، يمكن الدعاء بها وبغيرها ما لم تتضمن محظوراً شرعياً، مع العلم أن الأفضل هو الالتزام بالمأثور.
أمثلة على الأدعية المنتشرة لطلب النور والبصيرة:
- “اللَّهُمَّ يَا نُورَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا قَيُّومَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا عِمَادَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَنِرْ بَصِيرَتِي وَقَلْبِي بِنُورِكَ الَّذِي لَا يَخْبُو.”.
- “يَا رَبِّ، كَمَا أَنَرْتَ الْكَوْنَ بِنُورِ شَمْسِكَ، أَنِرْ قَلْبِي بِنُورِ حُبِّكَ وَمَعْرِفَتِكَ، وَارْزُقْنِي بَصِيرَةً أُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.”.
- “إِلَهِي، أَسْأَلُكَ مِنْ نُورِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَنْ تَهْدِيَنِي وَتُثَبِّتَنِي، وَأَنْ تَجْعَلَ لِي فُرْقَانًا أَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ.”.
أمثلة على الأدعية المنتشرة لتيسير الزواج:
- “اللَّهُمَّ يَا جَامِعَ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجٍ صَالِحٍ (أَوْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ) يُعِينُنِي عَلَى أَمْرِ دِينِي وَدُنْيَايَ.”.
- “رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، فَارْزُقْنِي الزَّوْجَ الصَّالِحَ الَّذِي هُوَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي.” (وهذا اقتباس من دعاء سيدنا موسى عليه السلام في سورة القصص).
- “اللَّهُمَّ بِحَقِّ سُورَةِ النُّورِ وَمَا فِيهَا مِنْ أَسْرَارٍ، يَسِّرْ لِي أَمْرَ زَوَاجِي وَارْزُقْنِي الْعَفَافَ وَالْغِنَى.”.
الحكم الشرعي: هل هناك دعاء مخصص لسورة النور؟
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، وهي أدعية عامة، ولم يثبت تخصيصها بسورة النور بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة لمن لزمها، ولا يجوز اعتقاد فضل خاص لهذه الأدعية لارتباطها بالسورة ما لم يقم على ذلك دليل شرعي.
أبرز الهدايات والمقاصد التربوية في سورة النور
تحمل سورة النور منهجاً متكاملاً لحفظ المجتمع المسلم وصيانته، ومن أبرز توجيهاتها:
- ترسيخ قيمة العفة: شددت السورة على عقوبة الزنا والقذف لحماية الأعراض، حيث قال تعالى:
“الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ…”
[النور: 2].
- وجوب غض البصر وحفظ الفرج: وجهت السورة أمراً واضحاً للمؤمنين والمؤمنات بغض أبصارهم وحفظ فروجهم كوسيلة لتزكية النفس.
“قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ…”
[النور: 30].
- آداب الاستئذان واحترام الخصوصية: أرست السورة قواعد اجتماعية راقية في احترام خصوصية البيوت وعدم دخولها إلا بعد الاستئذان.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا…”
[النور: 27].
- التحذير من الشائعات: حذرت السورة بشدة من الخوض في أعراض الناس ونشر الشائعات دون بينة، واصفةً هذا الفعل بأنه أمر عظيم عند الله.
“…وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ”
[النور: 15].
- مثل نور الله: ضربت السورة مثلاً عظيماً لنور الله في قلب المؤمن، مما يمنح الطمأنينة ويبعث على الأمل.
“اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ…”
[النور: 35].
- التمكين لأهل الإيمان: بشرت السورة المؤمنين الصالحين بالاستخلاف في الأرض والتمكين لدينهم، وهو وعد إلهي مرتبط بالإيمان والعمل الصالح.
“وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ…”
[النور: 55].
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة النور، الآية 2.
- سورة النور، الآية 15.
- سورة النور، الآية 27.
- سورة النور، الآية 30.
- سورة النور، الآية 35.
- سورة النور، الآية 55.
- حديث “اللهم اجعل في قلبي نورًا”، متفق عليه، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم أصلح لي ديني”، صحيح مسلم، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو الدعاء الصحيح لطلب النور من الله؟
أفضل الأدعية وأصحها لطلب النور هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:
“اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا…”
وهو دعاء جامع ثابت في الصحيحين.
هل ورد فضل خاص في حديث صحيح لقراءة سورة النور؟
لم يثبت حديث صحيح مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في فضل سورة النور بخصوصها، وما يُروى في ذلك ضعيف أو موضوع، ولكنها كسائر سور القرآن، في تلاوتها وتدبرها أجر عظيم، وفضلها الحقيقي يكمن في تطبيق أحكامها وآدابها التي تحفظ الفرد والمجتمع.
ما هي البدائل الصحيحة للأدعية المنتشرة المنسوبة لسورة النور؟
البديل الأفضل هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة الصحيحة، مثل دعاء طلب النور المذكور أعلاه، ودعاء “ربنا آتنا في الدنيا حسنة…”، ودعاء “اللهم أصلح لي ديني…”، كما يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من خير، دون أن ينسب دعاءه للسورة أو يعتقد له فضلاً خاصاً لم يرد به دليل.

