الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي صلة العبد بربه ومناجاته له، يتضرع المسلم إلى الله بالدعاء في كل أحواله، في الشدة والرخاء، وفي السراء والضراء، طالبًا العون والمدد، أو شاكرًا على النعم والفضل، وعندما يسجد العبد، يكون في أقرب حالاته من ربه، فيناجيه بقلب خاشع ونفس مطمئنة، وقد وعد الله سبحانه عباده بإجابة الدعاء، فقال تعالى:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60]
والدعاء عبادة عظيمة تقوم على الإخلاص واليقين بأن الله وحده هو القادر على كل شيء، وهو الذي يعلم ما في النفوس وحاجات العباد قبل أن ينطقوا بها.
ما هي صلاة الحاجة وحكمها الشرعي؟
صلاة الحاجة هي صلاة نافلة يؤديها المسلم عندما تكون له حاجة معينة عند الله تعالى أو عند أحد من خلقه، فيلجأ إلى ربه ويتوسل إليه بالصلاة والدعاء لقضائها، وهي من العبادات التي تُظهر افتقار العبد إلى خالقه وتعلقه به في كل أموره.
وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنها مستحبة ومشروعة، واستدلوا على ذلك بالحديث الوارد فيها، وإن كان في سنده مقال، إلا أنه يُعمل به في فضائل الأعمال.
الحديث الوارد في صلاة الحاجة
ورد في صلاة الحاجة حديث عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللَّهِ، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ”.
درجة الحديث: رواه الترمذي وابن ماجه، وهو حديث ضعيف عند جمهور المحدثين، ولكن كما ذكرنا، أجاز العلماء العمل به في فضائل الأعمال والترغيب، لأن الصلاة والدعاء بشكل عام من الأمور المشروعة.
الطريقة الصحيحة لأداء صلاة الحاجة ودعائها
بناءً على الحديث المذكور، فإن طريقة أداء صلاة الحاجة تكون كالتالي:
- إحسان الوضوء: يتوضأ المسلم وضوءًا كاملاً ومتقنًا.
- صلاة ركعتين: يصلي ركعتين نافلة بنية قضاء الحاجة، كغيرها من الصلوات، بأركانها وشروطها من تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والركوع والسجود والتشهد.
- الثناء على الله والصلاة على النبي: بعد الانتهاء من الصلاة، يبدأ بالدعاء فيحمد الله ويثني عليه بما هو أهله، ثم يصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
- الدعاء بالمأثور: يدعو بالدعاء الوارد في الحديث المذكور أعلاه.
- ذكر الحاجة: بعد الدعاء المأثور، يسمّي حاجته ويسأل الله من فضله ما يشاء من خيري الدنيا والآخرة بقلب خاشع وموقن بالإجابة.
نص دعاء صلاة الحاجة الوارد في السنة
الدعاء الثابت في الحديث الذي يُقال بعد الصلاة هو:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ”.
صيغ منتشرة وكيفيات لم تثبت بدليل صحيح
ينتشر بين الناس بعض الكيفيات والصيغ لأداء صلاة الحاجة أو أدعية معينة لها، مثل تخصيص سور معينة في كل ركعة (كآية الكرسي أو سورة الإخلاص بعدد معين)، أو أداء الصلاة بأربع ركعات أو اثنتي عشرة ركعة لكيفية معينة، ومن أمثلة الأدعية المنتشرة التي لم ترد في السنة:
- “يا ودود يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعّال لما يريد، اللهم إني أسألك بعزك الذي لا يُرام…”.
- صيغة الدعاء التي فيها توسل بالنبي بصيغة: “يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي…”، وهي صيغة واردة في حديث آخر (حديث الضرير) ولها سياق مختلف وتفصيل عند أهل العلم.
تنبيه هام بخصوص الصيغ المنتشرة
تنبيه هام: هذه الكيفيات والصيغ هي مما يتداوله بعض الناس أو وردت في كتب بعض العلماء كاجتهادات، ولكنها لم تثبت بسند صحيح ومرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الدعاء والصلاة عبادتان، والأصل فيهما الاتباع والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وتخصيص عبادة بكيفية أو عدد أو زمان أو مكان معين دون دليل شرعي يُعد من الأمور المحدثة التي ينبغي الحذر منها.
الأوقات التي تُصلى فيها صلاة الحاجة
صلاة الحاجة من النوافل المطلقة، فيجوز أداؤها في أي وقت من ليل أو نهار، ما عدا أوقات الكراهة التي نُهي عن الصلاة فيها، وهي:
- بعد صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس قدر رمح (بعد الشروق بحوالي 15-20 دقيقة).
- عندما تكون الشمس في منتصف السماء (وقت الظهيرة) حتى تزول قليلاً نحو الغرب.
- بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
أدعية عامة لقضاء الحوائج والزواج
يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، سواء في صلاة الحاجة أو في غيرها من أوقات الإجابة، ومن الأمثلة على الأدعية العامة التي يمكن الدعاء بها للزواج أو غيره من الحوائج:
- الدعاء الوارد في حديث أنس بن مالك الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة، وهو دعاء عظيم لتفريج الكروب:
“يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ”.
(حديث حسن، رواه النسائي في السنن الكبرى).
- دعاء جامع من السنة النبوية:
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”.
(صحيح مسلم).
- يمكن الدعاء بصيغ عامة مثل: “اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنه لا يملكها إلا أنت، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم ارزقني زوجًا صالحًا (أو زوجة صالحة) يعينني على طاعتك، وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين”.
آداب وشروط الدعاء المستجاب
لضمان أن يكون الدعاء أقرب للقبول، يُستحب للمسلم الالتزام بآداب الدعاء، ومن أهمها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله.
- اليقين بالإجابة: الثقة الكاملة بأن الله سيستجيب، مع عدم استعجال الإجابة.
- استقبال القبلة ورفع اليدين: وهي من سنن وآداب الدعاء.
- البدء بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي: وختم الدعاء بذلك أيضًا.
- التوبة والاستغفار: الإقرار بالذنب والرجوع إلى الله.
- تحري أوقات الإجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة.
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- حديث صلاة الحاجة: سنن الترمذي، حديث رقم 479، وسنن ابن ماجه، حديث رقم 1384، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “يا حي يا قيوم”: السنن الكبرى للنسائي، حديث رقم 10405، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم أصلح لي ديني”: صحيح مسلم، حديث رقم 2720، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
هل حديث صلاة الحاجة صحيح؟
الحديث الوارد في صلاة الحاجة ضعفه جمهور المحدثين، ولكن أجاز كثير من أهل العلم العمل به في فضائل الأعمال، لأن الصلاة والدعاء من العبادات المشروعة بشكل عام، والحديث يرغّب فيها عند الحاجة.
ما هو عدد ركعات صلاة الحاجة؟
الطريقة الواردة في الحديث هي ركعتان، وما يُذكر من أنها أربع أو اثنتا عشرة ركعة لم يثبت بدليل صحيح.
هل يجب قراءة سور معينة في صلاة الحاجة؟
لم يثبت دليل صحيح على وجوب أو استحباب قراءة سور معينة، يصليها المسلم كما يصلي أي نافلة، يقرأ فيها ما تيسر من القرآن بعد سورة الفاتحة.
ما هو البديل الصحيح للصيغ المنتشرة غير الثابتة؟
البديل الصحيح هو الالتزام بالطريقة الواردة في الحديث، وهي صلاة ركعتين ثم الدعاء بالدعاء المأثور “لا إله إلا الله الحليم الكريم…”، ثم سؤال الله الحاجة، ويمكن للمسلم أن يضيف أي دعاء طيب من القرآن أو السنة أو ما يفتح الله به عليه.

