يواجه الإنسان في مسيرة حياته أصنافًا شتى من الناس، فمنهم الصالحون أصحاب القلوب الطيبة، ومنهم من قد يصدر منه الأذى أو الظلم، بقصد أو بغير قصد، وقد حث الإسلام على الصبر والعفو والإحسان، وجعل اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء أقوى سلاح للمؤمن لدفع الشرور ورفع الظلم، فالله سبحانه هو العدل، وهو نصير المظلومين وكاشف الكروب.
إن التعامل مع الأذى يبدأ بالاستعانة بالله، فهو القادر على رد كيد المعتدين وحفظ عباده الصالحين، وفيما يلي بيان لأهم الأدعية الثابتة في القرآن والسنة، مع توضيح للمنهج الشرعي في التعامل مع الظلم والأذى.
الأمر الإلهي باجتناب إيذاء المؤمنين
يؤكد القرآن الكريم على حرمة إيذاء المؤمنين بغير وجه حق، ويعتبره إثمًا عظيمًا وبهتانًا واضحًا، قال الله تعالى في كتابه العزيز:
“وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا” [الأحزاب: 58].
وهذا التحذير الإلهي يوضح أن من يسعى لإلحاق الضرر بالآخرين ظلمًا وعدوانًا، فإنه يعرض نفسه لغضب الله وعقابه، ويحمل وزرًا ثقيلًا سيُحاسب عليه.
أدعية ثابتة من القرآن والسنة لدفع الظلم والأذى
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية هي الأجمع للخير والأعظم بركة، ومنها:
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام: عندما خرج من مدينته خائفًا، توجه إلى ربه بهذا الدعاء الذي يجمع بين طلب النجاة والاعتراف بقدرة الله.
 “رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” [القصص: 21]. . 
- دعاء نبي الله يونس عليه السلام (دعاء الكرب): وهو من أعظم الأدعية لتفريج الهموم والنجاة من الشدائد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 “دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فإنَّهُ لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ لهُ” (حديث صحيح، رواه الترمذي). “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]. . 
- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الأحزاب: عندما اجتمعت قريش والقبائل لقتال المسلمين، دعا النبي بهذا الدعاء العظيم.
 “اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وزَلْزِلْهُمْ” (حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم). . 
- دعاء لطلب الكفاية من شر الناس: وهو دعاء جامع يُقال لطلب الحماية من الله ضد كل من يضمر الشر.
 “اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ” (حديث صحيح، رواه مسلم). . 
صيغ وأدعية عامة يمكن الدعاء بها
إلى جانب الأدعية المأثورة، يتداول الناس بعض الصيغ العامة التي تحمل معاني طيبة في طلب النصرة من الله ورفع الظلم، يجوز الدعاء بهذه الصيغ ما دامت معانيها لا تخالف الشرع، ومن أمثلتها:
- لرد الظلم: “اللَّهُمَّ يَا نَاصِرَ الْمَظْلُومِينَ، انْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي فِيهِ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ، حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فِيمَنْ آذَانِي، اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيْهِ”.
- لرفع القهر: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَفَوِّضُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَنْتَ الْقَادِرُ عَلَى مَنْ قَهَرَنِي وَظَلَمَنِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي، فَكُنْ لِي عَوْنًا وَنَصِيرًا”.
- للحماية من الخبث والمكر: “اللَّهُمَّ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ أَنْ تَحْفَظَنِي مِنْ كُلِّ ذِي شَرٍّ، وَأَنْ تَكْفِيَنِي شَرَّ الْأَشْرَارِ وَكَيْدَ الْفُجَّارِ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي من الأدعية العامة التي يجوز الدعاء بها لمعانيها الطيبة، ولكنها لم ترد بهذا اللفظ نصًا في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، والأكمل والأفضل للمسلم هو الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنبياء الله، فهي جامعة للخير ومباركة.
ما حكم الدعاء على الظالم في الإسلام؟
يجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه بقدر مظلمته دون اعتداء في الدعاء، ودليل ذلك قول الله تعالى:
“لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ” [النساء: 148].
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على أقوام ظلموه واعتدوا على المسلمين.
مع ذلك، فإن العفو والصبر والدعاء للظالم بالهداية هو مرتبة أعلى وأعظم أجرًا عند الله، لمن قدر على ذلك، قال تعالى:
“وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ” [الشورى: 43].
فالخيار متروك للمظلوم، وكلا الأمرين (الدعاء عليه أو العفو عنه) له أصل في الشرع.
في التعامل مع الجار المؤذي
أوصى الإسلام بالجار إيصاءً عظيمًا، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ” (حديث صحيح، رواه البخاري).
ولكن إن صدر الأذى من الجار، فالمنهج الأمثل هو الصبر ومقابلة الإساءة بالإحسان ما أمكن، عملًا بقوله تعالى:
“وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” [فصلت: 34].
فإن لم يرتدع، فعلى المسلم أن يلجأ إلى الله بالدعاء لكف أذاه وهدايته، مع اتخاذ الأسباب المباحة لرفع الضرر.
المصادر والمراجع
- سورة الأحزاب، الآية 58.
- سورة القصص، الآية 21.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة النساء، الآية 148.
- سورة الشورى، الآية 43.
- سورة فصلت، الآية 34.
- حديث دعوة ذي النون، سنن الترمذي، رقم 3505، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعاء الأحزاب، صحيح البخاري، رقم 2933، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم اكفنيهم بما شئت”، صحيح مسلم، رقم 3005، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث الوصية بالجار، صحيح البخاري، رقم 6014، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء لرد الأذى؟
أفضل الأدعية هي المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: “اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ”، ودعاء الكرب: “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”، لأنها أدعية ثابتة ومباركة.
هل الأفضل الدعاء على الظالم أم الدعاء له بالهداية؟
الدعاء على الظالم جائز، ولكن العفو والدعاء له بالهداية والصلاح هو أعلى مرتبة وأعظم أجرًا عند الله، وهو من شيم أصحاب النفوس العظيمة، كما أنه قد يكون سببًا في صلاح الظالم ورجوعه عن ظلمه.
متى يكون وقت استجابة الدعاء على الظالم؟
ليس هناك وقت محدد، فالله يستجيب لعبده متى شاء، ولكن يُرجى تحري أوقات الإجابة المعروفة مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، فإنها أوقات تزداد فيها فرصة قبول الدعاء.
 
		

شكرا جزيلا لك