يُعد السحر والحسد من الشرور التي أثبت وجودها وتأثيرها القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد تؤثر على حياة الإنسان وسلوكه اليومي، وإنّ خير ما يلتجئ به المسلم للوقاية والعلاج هو التوكل على الله تعالى والتحصن بالأدعية والأذكار الشرعية الثابتة، فهي الحصن الحصين والسلاح الأقوى بإذن الله، وفيما يلي بيان لأهم الأدعية والآيات المأثورة للتحصين وإبطال أثر السحر والعين، مع التأكيد على المصادر الموثوقة.
أدعية نبوية صحيحة للرقية وفك السحر
إن أفضل ما يدعو به المسلم هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أوتي جوامع الكلم، وهذه بعض الأدعية الصحيحة الثابتة عنه في الرقية والتحصين:
- قراءة المعوذتين (سورة الفلق وسورة الناس) وسورة الإخلاص، فهي من أعظم ما يُرقى به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَا سَأَلَ سَائِلٌ بِمِثْلِهَا، وَلَا اسْتَعَاذَ مُسْتَعِيذٌ بِمِثْلِهَا”
(رواه النسائي، حديث صحيح).
-
“بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”
(ثلاث مرات صباحاً ومساءً)، (رواه الترمذي وأبو داود، حديث حسن صحيح).
-
“أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ”
(ثلاث مرات مساءً)، (رواه مسلم).
-
“أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ”
(رواه البخاري).
-
“أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا”
(رواه البخاري ومسلم).
-
“بِسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، بِسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ”
(رواه مسلم).
آيات قرآنية لإبطال السحر والحسد
القرآن الكريم شفاء ورحمة للمؤمنين، وقراءة آياته بنية الرقية والشفاء من أعظم أسباب دفع الشرور بإذن الله، ومن أهم ما يُقرأ لهذا الغرض:
- سورة الفاتحة: فهي الشافية والكافية.
- آية الكرسي:
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ…”
[البقرة: 255].
- أواخر سورة البقرة:
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ…”
إلى آخر السورة [البقرة: 285-286].
- آيات إبطال السحر من سورة الأعراف:
“وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ”
[الأعراف: 117-119].
- آيات إبطال السحر من سورة يونس:
“فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ”
[يونس: 81].
- آيات إبطال السحر من سورة طه:
“وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ”
[طه: 69].
- سورة الكافرون، وسورة الإخلاص، وسورة الفلق، وسورة الناس..
أدعية عامة وصيغ منتشرة
يتداول الناس بعض الصيغ الدعائية التي لم ترد بنصها في السنة النبوية، ولكن معانيها صحيحة ولا تخالف الشريعة، يمكن الدعاء بها على سبيل العموم، مع اليقين بأن الأدعية المأثورة عن النبي ﷺ هي الأكمل والأفضل.
- اللَّهُمَّ يَا وَاسِعَ الْعِلْمِ وَيَا عَظِيمَ السُّلْطَانِ، أَبْطِلْ عَنِّي كُلَّ سِحْرٍ عُقِدَ لِي بِقَصْدِ الْأَذَى، وَاجْعَلْ كَيْدَ مَنْ أَرَادَنِي بِسُوءٍ فِي نَحْرِهِ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَيْنِ الْحَاسِدِ وَمِنْ سِحْرِ السَّاحِرِ، رَبِّ اجْعَلْ كَيْدَهُمْ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ، وَأُعِيذُ نَفْسِي وَذُرِّيَّتِي وَبَيْتِي بِكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ.
- اللَّهُمَّ أَبْطِلْ عُقَدَ السِّحْرِ وَامْحُ آثَارَهُ عَنْ حَيَاتِي، وَطَمْئِنْ قَلْبِي بِذِكْرِكَ، وَافْتَحْ لِي كُلَّ بَابٍ مُغْلَقٍ، وَبَارِكْ لِي فِي سَعْيِي وَأَهْلِي.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ، اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها الخير والبركة والشفاء بإذن الله.
دعاء منسوب للشيخ الشعراوي لفك السحر
كان الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- من أبرز العلماء الذين حذّروا من اللجوء للسحرة والمشعوذين، مؤكداً على أن ذلك من كبائر الذنوب، وكان يستشهد بالحديث النبوي:
“مَنْ أَتَى كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ”
(رواه أبو داود، حديث صحيح)، ودعا -رحمه الله- إلى الالتزام بالكتاب والسنة كوسيلة وحيدة للوقاية والعلاج.
وقد نُسب إليه دعاءٌ يُقال لفك السحر، وهو يعكس فهماً عميقاً للتوحيد والاعتماد على الله وحده في دفع الضر، ونص الدعاء المنسوب إليه هو:
- «اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَقْدَرْتَ بَعْضَ خَلْقِكَ عَلَى السِّحْرِ وَالشَّرِّ، وَلَكِنَّكَ احْتَفَظْتَ لِذَاتِكَ بِإِذْنِ الضُّرِّ، فَأَعُوذُ بِمَا احْتَفَظْتَ بِهِ مِمَّا أَقْدَرْتَ عَلَيْهِ، بِحَقِّ قَوْلِكَ الْكَرِيمِ:
“وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ”
[البقرة: 102]»..
وهذا الدعاء، وإن لم يكن مأثوراً عن النبي ﷺ، إلا أن معناه صحيح، فهو استعاذة بقدرة الله التي لا تُغلب، وتفويض الأمر كله إليه سبحانه.
الحكم الشرعي في اللجوء للسحرة لفك السحر
جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم السحر تحريماً قاطعاً، وعدّه النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات (المهلكات)، كما حذرت السنة النبوية بشدة من إتيان الكهنة والعرافين والسحرة، سواء للسؤال أو لطلب العلاج.
فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً”
(رواه مسلم).
وعندما سُئل عليه الصلاة والسلام عن “النُّشْرَة” – وهي حل السحر بسحر مثله – قال:
“هِيَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ”
(رواه أبو داود، حديث صحيح)، وهذا يبين أن الطريق الشرعي لعلاج السحر يكون بالقرآن والأدعية المأثورة والرقية الشرعية، لا باللجوء إلى ما هو محرم ومن عمل الشيطان.
قصة تعرض النبي ﷺ للسحر وعلاجه بالوحي
ثبت في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ على يد رجل من اليهود يُدعى لبيد بن الأعصم، حتى كان يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء وهو لم يفعله، وكان هذا التأثير في أمور الدنيا فقط، ولم يمس جانب الوحي والرسالة أبداً.
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها، إن النبي ﷺ دعا ربه، ثم قال لها:
“أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ..، “
فدلّه الملكان على مكان السحر وأنه في بئر، فأرسل من استخرجه فإذا هو مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر، وبعد أن استُخرج السحر وأُتلف، أنزل الله عليه سورتي المعوذتين (الفلق والناس)، فقرأهما، فشفاه الله وعافاه، وقال عليه الصلاة والسلام:
“مَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا”
(رواه مسلم)، وهذا الحديث يثبت حقيقة وجود السحر، وأن علاجه الأمثل يكون باللجوء إلى الله والرقية بكلامه.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 102.
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- سورة البقرة، الآيتان 285-286.
- سورة الأعراف، الآيات 117-119.
- سورة يونس، الآية 81.
- سورة طه، الآية 69.
- صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، (يمكن مراجعة الأحاديث على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول أدعية فك السحر
ما هي أفضل الأوقات للدعاء لفك السحر؟
يستجاب الدعاء في كل وقت، ولكن هناك أوقاتاً أرجى للإجابة، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، والمهم هو حضور القلب واليقين بالله.
هل يكفي الدعاء وحده لعلاج السحر؟
الدعاء هو السلاح الأقوى، ويجب أن يقترن بالأخذ بالأسباب الشرعية الأخرى، وأهمها المحافظة على الصلوات، والمداومة على أذكار الصباح والمساء، والرقية الشرعية المستمرة بالقرآن والأدعية المأثورة، والصدقة بنية الشفاء.
ما هو البديل الشرعي للذهاب إلى السحرة؟
البديل الشرعي هو الرقية الشرعية، وهي أن يقرأ المسلم على نفسه أو يقرأ عليه راقٍ ثقة معروف بالصلاح والاستقامة، مستخدماً آيات القرآن الكريم والأدعية النبوية الصحيحة فقط، مع التوكل التام على الله بأنه هو الشافي وحده.

