إن اللجوء إلى الله تعالى عند وقوع الظلم هو دأب المؤمنين الصادقين، فالله سبحانه هو الحَكَمُ العدل الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرمًا، وقد منح المظلوم سلاحًا ماضيًا لا يُرد، وهو الدعاء، حيث لا يوجد بين دعوته وبين الله حجاب، إن اليقين بأن الله ناصر كل مظلوم، وأن حقه لن يضيع، هو بحد ذاته جبرٌ للقلب وطمأنينة للنفس، فكل تأخير في استرداد الحقوق يحمل في طياته حكمة إلهية قد لا يدركها الإنسان في حينها.
وقد ورد في النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ما يؤكد على مكانة دعوة المظلوم ويقدم أدعية جامعة يمكن للمسلم أن يلجأ إليها، فهي تجمع بين الشكوى لله وطلب النصرة وتفويض الأمر إليه سبحانه، وهو نعم المولى ونعم النصير.
أدعية للمظلوم ثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد عن الله تعالى في كتابه، وعن نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية هي الأكثر بركة والأرجى للقبول، ومن الأدعية الصحيحة التي تناسب المظلوم:
1، التأكيد على أن دعوة المظلوم مستجابة
من أعظم ما يطمئن قلب المظلوم هو يقينه بأن الله يسمعه ويستجيب له، كما ورد في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن:
“…وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ.”
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1496.
هذا الحديث أصل عظيم يبيّن أن دعوة المظلوم تصل إلى الله مباشرة، مما يمنح المظلوم قوة ويقينًا في استجابة دعائه.
2، دعاء نبي الله موسى على فرعون وملئه
عندما اشتد ظلم فرعون وطغيانه، دعا عليه نبي الله موسى عليه السلام دعاءً ذكره القرآن الكريم، وهو من أقوى الأدعية لردع الظالمين:
“وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ”
المصدر: [سورة يونس: 88].
3، دعاء الكرب والشدة
الظلم كرب عظيم، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً جامعًا يُقال عند الشدائد، وهو مناسب جدًا لمن وقع عليه الظلم:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.”
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6346.
صيغ وأدعية شائعة لطلب الحق من الظالم
يتداول الناس بعض الصيغ والأدعية التي لم ترد في مصادر التشريع الأساسية، ولكنها تعبر عن حال المظلوم وحاجته إلى الله، يمكن الدعاء بها وبغيرها ما لم تتضمن اعتداءً في الدعاء، ومن أمثلة هذه الصيغ المنتشرة:
- اللهم يا عدل ويا قوي ويا جبّار، أنت العالم بحالي، أسألك يا ذا القوة المتين أن ترد لي حقي وتجبر كسري، يا من لا تضيع الحقوق عندك أبدًا.
 - اللهم أنت حسبي إذا اشتد عليَّ الكرب وانكسر قلبي، فأنت الجابر والكافي، فاجبرني وكن سندًا لي، وعوضني خيرًا عن كل ألم شعرت به، وارفع عني الظلم وانصرني على من قهرني.
 - يا رب إني ضعيف لا أملك حولًا ولا قوة أمام من ظلمني، يا قوي يا عليم أنت نصيري ووكيلي، رد لي حقي من الظالمين وعوضني يا أرحم الراحمين.
 - حسبي الله ونعم الوكيل، أفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد.
 - يا رب، إن الظالم قد تجبر وطغى، وأنا عبدك المظلوم، أسألك بنورك الذي أشرقت به الظلمات أن تأخذ لي حقي منه أخذ عزيز مقتدر.
 
تنبيه هام حول الأدعية المنتشرة
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها غنية عن غيرها.
حكم الدعاء على الظالم في الإسلام
أباح الشرع للمظلوم أن يدعو على من ظلمه دون أن يعتدي في الدعاء، والدليل على ذلك قول الله تعالى:
“لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا”
المصدر: [سورة النساء: 148].
ومع ذلك، فإن العفو والصفح والصبر هي مراتب أعلى وأعظم أجرًا عند الله لمن قدر عليها، لقوله تعالى: “فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ” [الشورى: 40]، فيختار المسلم ما يطمئن إليه قلبه، سواء بالدعاء لرفع الظلم أو بالصبر واحتساب الأجر.
دعاء المظلوم في جوف الليل
يعد جوف الليل، وخصوصًا الثلث الأخير منه، من أوقات إجابة الدعاء المباركة، حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فيقول: “هل من داع فأستجيب له؟”، لذلك، يُستحب للمظلوم أن يتحرى هذا الوقت، فيقوم ويصلي ويتضرع إلى الله بقلب خاشع وموقن بالإجابة، ويدعو بما ورد من أدعية صحيحة أو بما يفتح الله عليه من دعاء لا إثم فيه ولا قطيعة رحم.
- يا رب العالمين، في هذا الوقت المبارك، أشكو إليك ضعفي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ أسألك أن تنصرني على من ظلمني.
 - اللهم يا مفرج الكروب، ويا مجيب دعوة المضطرين، قد مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فارفع عني الظلم، ورد لي حقي، واجبر قلبي يا جبار السماوات والأرض.
 - حسبي الله ونعم الوكيل، اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت، إنك على كل شيء قدير.
 
المصادر والمراجع
- سورة النساء، الآية 148.
 - سورة يونس، الآية 88.
 - صحيح البخاري، حديث رقم 1496، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - صحيح البخاري، حديث رقم 6346، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 
أسئلة شائعة حول دعاء المظلوم
ما هو أفضل دعاء للمظلوم؟
أفضل الأدعية هي ما ورد في القرآن والسنة الصحيحة، مثل دعاء الكرب “لا إله إلا الله العظيم الحليم…”، وقول “حسبي الله ونعم الوكيل”، وتفويض الأمر إلى الله، فالدعاء المأثور أجمع للخير وأبعد عن الخطأ.
هل يجوز الدعاء على الظالم بالموت أو المرض؟
الأصل هو الدعاء برفع الظلم ورد الحق، وقد أجاز بعض العلماء الدعاء على الظالم بقدر مظلمته دون اعتداء، ولكن الأولى والأفضل هو الدعاء بالهداية له أو تفويض أمره إلى الله ليحكم فيه بعدله، فالله أعلم بما يستحقه الظالم.
ما هو البديل الأفضل عن الدعاء على الظالم؟
البديل الأفضل والأعلى منزلة هو الصبر والعفو والصفح، واحتساب الأجر عند الله تعالى، فمن عفا وأصلح فأجره على الله، وهذا لا يمنع من السعي لاسترداد الحقوق بالوسائل المشروعة، ولكن يبقى العفو بابًا عظيمًا من أبواب الأجر.
		
