يُعد الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، خاصة عند نزول الشدائد والأسقام، ففي مواجهة آلام الجسد، كآلام العظام التي قد تعيق الإنسان عن ممارسة حياته الطبيعية، يجد المؤمن في مناجاة الله تعالى سكينًة وطمأنينة ورجاءً في الشفاء، إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، ونعمة عظيمة تستوجب الشكر والمحافظة عليها باتباع الأسباب الصحية وتجنب ما يضر بالبدن.
والإسلام دين يوازن بين الأخذ بالأسباب المادية والتوكل على الله؛ فالمسلم مأمور بطلب العلاج والتداوي، وفي الوقت ذاته، هو متيقن بأن الشفاء بيد الله وحده، فهو الشافي الذي لا شفاء إلا شفاؤه، لذلك، يجمع المؤمن بين العلاج الطبي والدعاء الصادق، راجيًا من الله العافية ورفع البلاء.
أدعية نبوية صحيحة عند الشعور بالألم والمرض
إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أرشدنا إلى أدعية ورقى ثابتة في سنته الشريفة، تُقال عند الشعور بالمرض أو الألم، وهي أدعية مباركة تجمع بين التوحيد والتوكل وطلب الشفاء من الله مباشرة، ومن أصح ما ورد في هذا الباب:
1، الدعاء المباشر عند موضع الألم
عن عثمان بن أبي العاص الثقفي، أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2202، هذا الدعاء من أعظم ما يُرقى به المريض نفسه، حيث يجمع بين الاستعانة باسم الله والاعتصام بقدرته من شر الألم الحالي والمستقبلي.
2، رقية جبريل عليه السلام
وهي الرقية التي رقى بها جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهي نافعة بإذن الله لجميع الأمراض والآلام، عن أبي سعيد الخدري أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، اشتكيت؟ فقال: “نعم”، قال:
“بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2186، يمكن للمسلم أن يرقي بها نفسه أو يرقي بها غيره من الأهل والأبناء.
أدعية من القرآن الكريم للشفاء ورفع البلاء
القرآن الكريم شفاء لما في الصدور والأبدان، والدعاء بآياته من أعظم أسباب استجابة الدعاء، ومن ذلك:
- دعاء نبي الله أيوب عليه السلام: وهو دعاء عظيم للمكروب والمريض، يجمع بين الاعتراف بالضر والتوسل برحمة الله.
 “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [سورة الأنبياء: 83]. 
- الدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة: وهو دعاء شامل يطلب فيه العبد من ربه الحسنة في كل شؤونه، والصحة والعافية من أعظم الحسنات.
 “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [سورة البقرة: 201]. 
أدعية عامة شائعة لتخفيف آلام العظام
يتداول الناس بعض الصيغ الدعائية العامة التي يسألون الله بها الشفاء والعافية، هذه الأدعية، وإن لم تكن مأثورة بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه يجوز الدعاء بها إذا كانت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، وفيما يلي أمثلة على هذه الأدعية العامة:
- اللَّهُمَّ يا ربَّ السَّمَاوَاتِ والأرضِ، يا قَادِرًا على شِفَاءِ الأبدانِ وطمأنينةِ القلوبِ، اللَّهُمَّ اشفِنِي بشفائِكَ، وأَزِلْ عنِّي كُلَّ ألمٍ وعِلَّةٍ، واجعلْ صِحَّتِي دائمًا في أحسنِ حالٍ.
- يا رَبِّ، رحمتُكَ وسِعَتْ كُلَّ شيءٍ، وأنا عبدُكَ الذي أثِقُ في لُطفِكَ، طَالَ عليَّ الألمُ، فاجعلْ رحمتَكَ ملجئي، وارفعْ عنِّي البلاءَ، واشفِنِي شفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا.
- اللَّهُمَّ بقُدرَتِكَ التي لا تُضَاهَى، ألهِمْنِي الشفاءَ والرَّحمةَ مِنْ عندِكَ، طَهِّرْ نَفْسِي، وارزُقْنِي العافيةَ التي تَسْرِي في جَسَدِي، واجعلْنِي مِنْ عبادِكَ الصَّالحينَ.
- يا أرحمَ الرَّاحمينَ، اجعلْنِي مِنَ الصَّابرينَ المُحتَسِبينَ لقضائِكَ، وامنحْ جَسَدِي العافيةَ، وأَزِلْ عنِّي كُلَّ وَجَعٍ وألمٍ، واغمُرْنِي بمغفرتِكَ ورَحْمَتِكَ يا أكرمَ الأكرمينَ.
حكم هذه الأدعية ومدى ثبوتها
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة، وإن دعا المسلم بأدعية عامة بمعانٍ صحيحة، فلا حرج في ذلك، ولكن الأفضل والأكمل هو لزوم الأدعية المأثورة الثابتة.
دعاء مخصص لتخفيف آلام العظام عند الأطفال
عندما يتألم الطفل، يتألم قلب والديه معه، والرقية الشرعية والدعاء للطفل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، يمكن للأم أو الأب أن يضع يده على الطفل ويرقيه بما ثبت في السنة، كالفاتحة والمعوذات، والدعاء النبوي المذكور سابقًا “أعوذ بالله وقدرته…”، بالإضافة إلى ذلك، يمكن الدعاء بأدعية عامة تحمل معاني الرحمة والشفاء، مثل:
- اللَّهُمَّ يا حنَّانُ يا منَّانُ، يا شافي يا مُعافي، اشفِ طفلي (ويُذكر اسمه)، وأزلْ الألمَ عن عظامه وجسده، وألبسه ثوبَ الصحةِ والعافيةِ عاجلاً غير آجلٍ يا أرحم الراحمين.
- يا حَيُّ يا قَيُّومُ، برحمتِكَ أستغيثُ، أصلِحْ شأنَ طفلي كُلَّهُ، وعافِهِ في بَدَنِهِ وسَمْعِهِ وبَصَرِهِ، واجعلهُ قُرَّةَ عينٍ لنا في الدُّنيا والآخرةِ.
- اللَّهُمَّ إنَّ طفلي قطعةٌ من قلبي، أتوسلُ إليكَ يا قَوِيُّ يا قَدِيرُ أن تشفيَهُ وتُعافيَهُ، وتجعلَ ما أصابهُ تكفيرًا ورفعةً في الدرجاتِ.
فضل الصبر على المرض وأثره في حياة المسلم
عندما يصاب المسلم بمرض أو وعكة صحية، فإن ذلك ليس شراً محضاً، بل قد يكون فيه خير كثير إذا قابله بالصبر والاحتساب، فالابتلاء فرصة لتهذيب النفس، وتكفير الذنوب، ورفعة الدرجات، وتقوية الصلة بالله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ”.
المصدر: متفق عليه (رواه البخاري ومسلم)، هذا الحديث العظيم يبرز رحمة الله بعباده، حيث يجعل من آلامهم وأمراضهم سبباً لمغفرة ذنوبهم، مما يبعث في قلب المريض الطمأنينة والرضا بقضاء الله وقدره.
كما أن المرض يذكر الإنسان بنعمة الصحة والعافية التي ربما غفل عن شكرها، فيدفعه ذلك إلى مزيد من الحمد والثناء على الله، وإدراك عظيم فضله عليه في السراء والضراء.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 83.
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح مسلم، حديث رقم 2202، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2186، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 5641؛ صحيح مسلم، حديث رقم 2573، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول أدعية الشفاء
ما هو الدعاء الصحيح الذي يقال عند الشعور بالألم؟
أصح ما ورد هو أن تضع يدك على مكان الألم وتقول: “بِسْمِ اللهِ” (ثلاث مرات)، ثم تقول: “أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ” (سبع مرات)، كما ورد في صحيح مسلم.
هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في السنة النبوية؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من الأدعية الطيبة التي لا تحتوي على إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء في الدعاء، ومع ذلك، فإن الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.
هل الدعاء يغني عن زيارة الطبيب؟
لا، الدعاء لا يغني عن الأخذ بالأسباب، من كمال التوكل على الله أن يجمع المسلم بين الدعاء وطلب العلاج من الأطباء المختصين، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي فقال: “تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً”.
ما هو أفضل وقت للدعاء من أجل الشفاء؟
الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، وعند نزول المطر.
 
		
