يعد فقدان الابن من أشد الابتلاءات التي قد تمر بالوالدين، إلا أن الله سبحانه وتعالى يجزي الصابرين على قَدَر مصابهم جزاءً عظيمًا، ويجعل من أطفالهم شفعاء لهم يوم القيامة، إن الطفل المتوفى يلقى ربه طاهرًا نقيًا من الذنوب، على الفطرة التي فُطر الناس عليها، لذا فإن الدعاء له ولوالديه بالصبر والسلوان هو من أعظم صور المواساة والتثبيت، في هذا المقال، نستعرض الأدعية الصحيحة والمأثورة التي تُقال في هذا الموقف الجلل، معتمدين على المصادر الشرعية الموثوقة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
الهدي النبوي عند فقدان الولد: الصبر والاحتساب
عند وقوع المصيبة، لا يملك المسلم إلا التسليم بقضاء الله وقدره، واليقين بأن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، إن الصبر عند الصدمة الأولى هو مفتاح الأجر العظيم، وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من صبر على فقد ولده بثواب لا يعدله ثواب.
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ”.
(رواه الترمذي، حديث رقم 1021، وحسنه الألباني).
لذا، فإن أول ما ينبغي أن يلهج به لسان الوالدين هو قول: “إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا”، فهذا الدعاء من أعظم أسباب الثبات وجبر المصاب.
دعاء الطفل المتوفى في صلاة الجنازة (من السنة والآثار)
صلاة الجنازة هي الموطن الأساسي للدعاء للميت، وقد وردت صيغ مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح في الدعاء للطفل المتوفى، ومن أصحها وأشملها:
- “اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا، وَسَلَفًا، وَأَجْرًا”.
شرح الدعاء: “فَرَطًا” أي: من يتقدمنا إلى الجنة ليعد لنا النزل والمنفعة، “سَلَفًا” أي: قربة نقدّمها بين أيدينا، “أَجْرًا” أي: ثوابًا لنا على صبرنا، (وهو دعاء مأثور عن السلف الصالح وذكره العلماء في كتب الفقه). - دعاء مأثور عن أبي هريرة رضي الله عنه:
“اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، أَنْتَ خَلَقْتَهُ وَرَزَقْتَهُ، وَأَنْتَ أَمَتَّهُ وَأَنْتَ تُحْيِيهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لِوَالِدَيْهِ سَلَفًا وَذُخْرًا، وَفَرَطًا وَأَجْرًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا، وَلَا تَحْرِمْنَا وَإِيَّاهُمْ أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا وَإِيَّاهُمْ بَعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ الْمُؤْمِنِينَ فِي كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَعَافِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ جَهَنَّمَ”، (أثر صحيح أخرجه البيهقي وغيره).
حكم الدعاء للجنين المتوفى (السِّقط)
السِّقط هو الجنين الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه، وقد بيّن العلماء أن السقط إذا بلغ أربعة أشهر (120 يومًا) -وهي المدة التي يُنفخ فيها الروح- فإنه يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه ويُدفن في مقابر المسلمين، ويُدعى له ولوالديه في الصلاة كما يُدعى للطفل المولود.
وقد ورد في فضل السقط أنه يكون شفيعًا لوالديه، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، إِذَا احْتَسَبَتْهُ”.
(رواه ابن ماجه، حديث رقم 1609، وصححه الألباني).
ويُدعى له في الصلاة بنفس الأدعية المذكورة سابقًا، مثل: “اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ، وَفَرَطًا وَشَفِيعًا مُجَابًا، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا، وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ الْمُؤْمِنِينَ”.
أدعية عامة للتعزية ومواساة الوالدين
باب الدعاء واسع، ويمكن للمسلم أن يدعو للطفل المتوفى ولوالديه بأي صيغة تحمل معاني الخير والرحمة والصبر، وهذه الأدعية العامة لا تُنسب للسنة النبوية، بل هي من الأدعية الطيبة التي يُرجى نفعها.
- اللَّهُمَّ يَا مَنْ خَلَقْتَ هَذِهِ الرُّوحَ وَقَدَّرْتَ أَخْذَهَا إِلَيْكَ، هَذَا الطِّفْلُ لَمْ يَحْمِلْ ذَنْبًا وَلَمْ يَعْرِفْ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا البَرَاءَةَ، فَاللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَفِيعًا لِوَالِدَيْهِ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمَا بِالصَّبْرِ وَالسَّكِينَةِ، وَامْلَأْ حَيَاتَهُمَا بِالرِّضَا وَاليَقِينِ بِلِقَائِهِ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْهُ فِي كَنَفِ نَبِيِّكَ إِبْرَاهِيمَ، وَاجْعَلْهُ فِي دَارِ كَرَامَتِكَ يَنْعَمُ بِنَعِيمٍ لَا يَزُولُ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْ طُيُورِ الجَنَّةِ، يَسْرَحُ فِيهَا حَيْثُ يَشَاءُ، مُسْتَبْشِرًا بِنَعِيمٍ لَا يَنْقَطِعُ، وَاجْبُرْ كَسْرَ قَلْبِ وَالِدَيْهِ، وَعَوِّضْهُمَا خَيْرًا.
- يَا رَبِّ، أَنْتَ أَرْحَمُ بِهِ مِنَّا، قَدْ سَلَّمْنَا لِقَضَائِكَ وَرَضِينَا بِقَدَرِكَ، فَاللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِوَالِدَيْهِ فِي الجَنَّةِ، وَامْنَحْهُمَا الصَّبْرَ الجَمِيلَ حَتَّى يَلْتَقُوا بِهِ فِي جَنَّاتِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
دعاء للرضيع المتوفى
لا يختلف الدعاء للرضيع عن الدعاء للطفل الأكبر سنًا، فكلاهما لم يجرِ عليه القلم، والمقصد من الدعاء هو طلب الأجر لوالديه، وأن يكون هذا الرضيع شفيعًا لهما، ومن الأدعية المناسبة التي يمكن الدعاء بها للوالدين:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَفِيعًا مُشَفَّعًا لِوَالِدَيْهِ، وَأَقِرَّ أَعْيُنَهُمَا بِلِقَائِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
- يَا رَبِّ، أَنْزِلْ عَلَى قُلُوبِ وَالِدَيْهِ الصَّبْرَ وَالسُّلْوَانَ، وَاجْعَلْ لَهُمَا فِي هَذَا الابْتِلَاءِ أَجْرًا عَظِيمًا وَعِوَضًا جَمِيلًا.
- اللَّهُمَّ اجْبُرْ كَسْرَهُمَا فِي فَقْدِهِ، وَأَلْهِمْهُمَا الرِّضَا بِقَضَائِكَ، وَاخْلُفْ عَلَيْهِمَا خَيْرًا.
- يَا رَبِّ، كَمَا أَخَذْتَ وُدَيْعَتَهُمْ، فَهَبْ لَهُمْ صَبْرًا وَثَبَاتًا، وَاجْعَلْ لِقَاءَهُمْ بِهِ فِي الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى مِنَ الجَنَّةِ.
ختامًا، إن رحمة الله تحيط بالصابرين، والطفل المتوفى في كنف الله ورعايته، شفيعًا لوالديه ينتظرهما على أبواب الجنة، فما على الأهل إلا الاحتساب والرضا، واللهج بالدعاء الصادق، فالله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملًا، ويعوّض عباده الصابرين بما هو خير وأبقى.
المصادر والمراجع
- حديث “ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة”، (سنن الترمذي، حديث رقم 1021، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة”، (سنن ابن ماجه، حديث رقم 1609، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- الأدعية المأثورة في صلاة الجنازة على الطفل مستقاة من كتب الفقه المعتبرة مثل “المغني” لابن قدامة، والآثار المروية عن الصحابة كأبي هريرة رضي الله عنه.
أسئلة شائعة
ما هو أفضل ما يقال عند فقدان طفل؟
أفضل ما يقال هو الاسترجاع: “إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”، ثم الدعاء: “اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا”، والصبر والاحتساب هما مفتاح الأجر العظيم الذي وعد به الله في حديث “بيت الحمد”.
هل هناك دعاء محدد للطفل المتوفى من القرآن أو السنة؟
لم يرد دعاء محدد بصيغة واحدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن وردت أدعية مأثورة تُقال في صلاة الجنازة على الطفل، مثل: “اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا، وَسَلَفًا، وَأَجْرًا”، وكذلك الدعاء المأثور عن أبي هريرة رضي الله عنه، والمقصد الأساسي هو الدعاء للوالدين بالصبر والأجر، وأن يكون الطفل شفيعًا لهما.
ما هو الحكم الشرعي للجنين المتوفى قبل أربعة أشهر؟
الجنين الذي يتوفى قبل نفخ الروح فيه (قبل 120 يومًا)، لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه عند جمهور الفقهاء، بل يُلف في خرقة ويُدفن، ولا يمنع ذلك من الدعاء لوالديه بالصبر والعوض من الله تعالى.
