بر الوالدين من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وأجره ممتد في الدنيا والآخرة، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان إليهما في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، مقرونًا بعبادته وتوحيده، مما يدل على عظيم مكانتهما.
“وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” [الإسراء: 23]
ولا ينقطع بر الأبناء بوالديهم بعد وفاتهما، بل يستمر من خلال الدعاء لهما والصدقة عنهما، وهو من أعظم صور الوفاء والإحسان.
أدعية مأثورة من القرآن والسنة للوالدين المتوفين
إن أفضل ما يُدعى به للوالدين هو ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية جامعة للخير، ومباركة، وثابتة المصدر.
1، أدعية من القرآن الكريم
ورد في القرآن الكريم أدعية مباشرة للوالدين، منها:
- دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو دعاء شامل بالمغفرة:
 “رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ” [إبراهيم: 41] . 
- دعاء بالرحمة لهما جزاءً على تربيتهما:
 “رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” [الإسراء: 24] . 
2، أدعية من السنة النبوية المطهرة
الدعاء للوالدين بعد موتهما من العمل الصالح الذي يصل إليهما ويرفع درجاتهما، كما ورد في الحديث الصحيح:
“إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” (رواه مسلم، حديث صحيح).
ومن الأدعية الثابتة التي يمكن الدعاء بها للوالدين المتوفين، وهو دعاء النبي ﷺ للميت عمومًا:
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ” (رواه مسلم، حديث صحيح).
صيغ وأدعية عامة للوالدين المتوفين
بالإضافة إلى الأدعية المأثورة، يتداول الناس صيغًا أخرى للدعاء تحمل معاني طيبة، ويجوز الدعاء بها ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، إليك بعض الأمثلة على هذه الأدعية العامة:
- اللَّهُمَّ اجعل دارهما في الفردوس الأعلى، ووفقهما لكل عمل يقربهما إليها، وأبعد عنهما كل ما يبعدهما عنها، واحفظهما من عذاب النار.
- اللَّهُمَّ اجعل حبيبك المصطفى شفيعًا لهما، واحشرهما في زمرة المؤمنين الصالحين، واسقهما من حوضه الشريف شربة هنيئة لا يظمآن بعدها أبدًا.
- اللَّهُمَّ وسّع عليهما قبريهما مد بصرهما، واجعلهما روضة من رياض الجنة، ولا تجعلهما حفرة من حفر النار، وأكرمهما بجنات النعيم.
- اللَّهُمَّ جازهما بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات عفوًا وغفرانًا، وارفع مقامهما في منازل المقربين، واجعلهما في صحبة النبيين والصديقين في أعلى جنات الخلد.
- اللَّهُمَّ ارحمهما واغفر لهما، وكن بهما رحيمًا، وأكرمهما بعفوك ومغفرتك الواسعة يا أرحم الراحمين.
- اللَّهُمَّ ارفع درجتهما في المهديين، واخلفهما في عقبهما في الغابرين، واغفر لنا ولهما يا رب العالمين، وأفسح لهما في قبريهما ونوّر لهما فيه.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، وهي أدعية عامة بمعانٍ حسنة، ولكنها لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز الدعاء بما يجري على اللسان من كلام طيب لا إثم فيه، دون اعتقاد أن لهذه الصيغ فضلًا خاصًا أو أنها من السنة.
أوقات وأحوال يُستحب فيها الدعاء للوالدين
الدعاء للوالدين مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات وأحوال تكون أرجى للإجابة، ويُستحب تحريها للدعاء لهما، ومنها:
- في يوم الجمعة: ففي يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي، يسأل الله تعالى شيئًا، إلا أعطاه إياه، وهو وقت مبارك يُرجى فيه قبول الدعاء.
- خلال شهر رمضان: شهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة، وللصائم دعوة لا تُرد عند فطره، فيُستحب الإكثار من الدعاء للوالدين المتوفين في هذا الشهر الفضيل.
- في السجود: فـ “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء” (رواه مسلم).
- عند نزول المطر وفي جوف الليل الآخر..
يمكن الدعاء بهذه الأدعية في تلك الأوقات المباركة:
اللَّهُمَّ يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، نسألك في هذا اليوم المبارك (أو في هذا الشهر الفضيل) أن تفيض على والدينا من بحر رحمتك، وتغمرهم بمغفرتك وفضلك، اللهم اغسل ذنوبهم وطهرهم من الخطايا، وأمِّن روعتهم بنعيم رحمتك يا أرحم الراحمين.
يا رب، أبدلهما دارًا خيرًا من دارهما، وأهلًا خيرًا من أهلهما، وأدخلهما الجنة، وأعذهما من عذاب القبر ومن عذاب النار، اللهم عاملهما بما أنت أهله، ولا تعاملهما بما هما أهله.
اللَّهُمَّ ارحم والديَّ برحمتك التي وسعت كل شيء، وارزقهما مغفرتك التي لا حد لها، وأنزل عليهما من فيض رحمتك ما يُنير قبريهما ويُطمئن أرواحهما، واجمعنا بهم في جنات النعيم يا رب العالمين.
المصادر والمراجع
- سورة الإسراء، الآية 23.
- سورة إبراهيم، الآية 41.
- سورة الإسراء، الآية 24.
- صحيح مسلم، حديث رقم 1631، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 963، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء للوالدين المتوفين؟
أفضل الدعاء هو ما كان مأثورًا من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل “رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” ودعاء النبي ﷺ للميت “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ…”، فالدعاء بالمأثور أجمع للخير وأعظم أجرًا.
هل يصل دعائي وثواب الأعمال إلى والديّ بعد وفاتهما؟
نعم، بإجماع أهل العلم، يصل ثواب الدعاء والصدقة والحج والعمرة وغيرها من الأعمال الصالحة إلى الميت، وذلك ثابت بالأدلة الصحيحة من السنة النبوية، وأهمها حديث “أو ولد صالح يدعو له”.
هل يجوز الدعاء للوالدين بالصيغ العامة المنتشرة؟
نعم، يجوز الدعاء بأي صيغة تحمل معنى صحيحًا ولا تخالف الشريعة، مثل طلب الرحمة والمغفرة ورفع الدرجات، ولكن لا يجوز اعتقاد أن هذه الصيغ لها فضل خاص أو أنها من السنة ما لم يثبت ذلك بدليل صحيح.
 
		

