يُعَدُّ الدعاء لشخص عزيز من أعظم صور المحبة الصادقة، وتزداد قيمته وأثره حين يكون في يوم عرفة، فهو من أفضل أيام العام وأكثرها بركة، حيث يتجلى الله سبحانه وتعالى على عباده برحمته ومغفرته، وتُفتح فيه أبواب السماء لاستقبال الدعوات.
إن يوم عرفة فرصة عظيمة للمسلمين للإقبال على الله بقلوب خاشعة، طالبين المغفرة والرحمة، وتجديد العهد على طاعته، وعندما تخصص جزءًا من دعائك في هذا اليوم الجليل لمن تحب، فإن ذلك يعكس صفاء نيتك وحرصك على جلب الخير له في الدنيا والآخرة، فالدعاء بظهر الغيب من أسباب توثيق روابط المحبة ونيل القرب من الله.
وقد عَظَّم الشرع شأن هذا اليوم، فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النار، لذا، يُستحب للمسلم أن يستغل ساعاته بالإكثار من الطاعات، كالصلاة والذكر وقراءة القرآن، واجتناب كل ما نهى الله عنه، طمعًا في نيل رضاه والفوز بجنته.
أفضل الدعاء يوم عرفة (الدعاء المأثور)
إن خير ما يدعو به المسلم في هذا اليوم المبارك هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة، وقد أرشدنا النبي إلى أفضل الذكر والدعاء في هذا اليوم فقال:
“خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.”
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن).
ويُستحب الإكثار من هذا الذكر والدعاء، مع استحضار معانيه العظيمة من توحيد الله وتعظيمه وحمده.
أدعية جامعة من القرآن والسنة للأحبة
إلى جانب الدعاء المأثور ليوم عرفة، يمكن للمسلم أن يدعو لمن يحب بأدعية جامعة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي مباركة وشاملة للخير، ومن أمثلتها:
- الدعاء بخيري الدنيا والآخرة:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.” [البقرة: 201]
.
- الدعاء بالصلاح والثبات على الدين:
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ.” [آل عمران: 8]
.
- الدعاء بالهداية والعافية:
“اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ.”
(المصدر: سنن أبي داود، حديث صحيح)..
- الدعاء بالعفو والعافية:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي…”
(المصدر: سنن أبي داود، حديث صحيح)..
صيغ شائعة للدعاء للأحبة في يوم عرفة
يتداول الناس العديد من صيغ الدعاء الجميلة التي تحمل معاني الخير والمحبة، خاصة في المناسبات المباركة كيوم عرفة، وهذه بعض الأمثلة على تلك الأدعية التي يمكن الاستئناس بمعانيها الطيبة:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ يَوْمَ عَرَفَةَ بِدَايَةَ كُلِّ خَيْرٍ لأَحِبَّتِي، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي أَعْمَارِهِمْ وَصِحَّتِهِمْ، وَارْزُقْهُمْ مِنْ فَضْلِكَ الوَاسِعِ، وَاجْعَلْ لَهُمْ نَصِيبًا وَافِرًا مِنَ السَّكِينَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ.
- اللَّهُمَّ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُسْعِدَ قُلُوبَ أَحْبَابِي، وَأَنْ تَجْبُرَ كَسْرَ خَوَاطِرِهِمْ، وَتُفَرِّجَ عَنْهُمْ كُلَّ هَمٍّ وَغَمٍّ، وَاجْعَلْ لَهُمْ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ فَرَجًا وَمِنْ كُلِّ عُسْرٍ يُسْرًا.
- اللَّهُمَّ أَنِرْ قُلُوبَ أَحِبَّتِي بِنُورِ الإِيمَانِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَكْرِمْهُمْ بِرِضَاكَ وَعَفْوِكَ، وَاغْمُرْهُمْ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.
- يَا رَبِّ، تَقَبَّلْ فِي هَذَا اليَوْمِ المُبَارَكِ دَعَوَاتِ أَحِبَّتِي، وَاغْفِرْ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ، وَارْفَعْ عَنْ قُلُوبِهِمْ كُلَّ كَرْبٍ، وَامْلأْ حَيَاتَهُمْ بِالسَّعَادَةِ وَالرَّخَاءِ.
- اللَّهُمَّ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَمْلأَ حَيَاةَ أَحِبَّتِي بِالبَرَكَةِ، وَتَغْمُرَ أَيَّامَهُمْ بِالخَيْرِ، وَتَجْبُرَ بِخَوَاطِرِهِمْ، وَتُكْرِمَهُمْ بِنِعَمِكَ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، والدعاء بما لم يرد جائز ما لم يتضمن محذورًا شرعيًا، ولكن الأفضل والأكمل هو لزوم المأثور.
ما حكم الدعاء بصيغ غير مأثورة؟
أجاز أهل العلم الدعاء بصيغ لم ترد في الكتاب أو السنة، بشرطين أساسيين:
- أن يكون المعنى صحيحًا: لا يحتوي على مخالفة شرعية أو اعتداء في الدعاء.
- ألا يُعتقد أنها سنة: لا ينسبها الداعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو يعتقد أن لها فضلًا خاصًا كالأدعية المأثورة.
ومع ذلك، يبقى الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأعظم أجرًا، لأنه يجمع بين فصاحة اللفظ وعمق المعنى وكمال العبودية.
الأعمال المستحبة في يوم عرفة
يُستحب للمسلم (غير الحاج) أن يغتنم يوم عرفة بالاجتهاد في العبادة والتقرب إلى الله، ومن أبرز هذه الأعمال:
- الصيام: صيام يوم عرفة له فضل عظيم، فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامه فقال:
“يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ.”
(المصدر: صحيح مسلم)..
- الإكثار من الذكر والدعاء: كما تقدم، فإن خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير الذكر هو التهليل والتحميد والتسبيح، وهو يوم يُرجى فيه إجابة الدعاء.
- التكبير: يُشرع التكبير المطلق في عشر ذي الحجة، والتكبير المقيد الذي يبدأ لغير الحاج من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق (اليوم الثالث عشر من ذي الحجة)، وصيغته المشهورة: “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”.
- قراءة القرآن والصدقة: وغيرها من أعمال البر التي يتضاعف أجرها في هذه الأيام المباركة.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- حديث “خير الدعاء دعاء يوم عرفة”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم اهدني فيمن هديت”، (يمكن مراجعته في سنن أبي داود على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “صيام يوم عرفة”، (يمكن مراجعته في صحيح مسلم على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة
ما هو أفضل وقت للدعاء في يوم عرفة؟
يوم عرفة كله وقت للدعاء، ولكن يُرجى أن يكون أشد أوقاته إجابة هو من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في الدعاء في هذا الوقت.
هل يجب أن أكون صائمًا حتى يُستجاب دعائي يوم عرفة؟
الصيام عمل صالح عظيم يُرجى به القبول، لكنه ليس شرطًا لإجابة الدعاء، فباب الدعاء مفتوح للصائم وغيره، والأهم هو الإخلاص وحضور القلب واليقين بالإجابة.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟
البديل الأفضل والأكمل هو الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، يمكنك أيضًا أن تدعو الله بما في قلبك من حاجات بأسلوبك الخاص، ما دام المعنى صحيحًا ولا يخالف الشرع.
