يولي المسلمون اهتمامًا كبيرًا بالعشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، تحريًا لليلة القدر التي وصفها الله تعالى بأنها خيرٌ من ألف شهر، وتُعد ليلة السابع والعشرين من رمضان من أرجى الليالي التي يُحتمل أن تكون فيها ليلة القدر، مما يدفع المؤمنين إلى الاجتهاد في العبادة والدعاء، طمعًا في نيل عظيم الأجر والمغفرة.
إن إحياء هذه الليلة بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن والدعاء الخالص هو من أعظم القربات، فهي فرصة استثنائية يفيض فيها الكرم الإلهي بالرحمة والمغفرة والعتق من النيران.
أفضل دعاء في ليلة القدر (الدعاء المأثور عن النبي ﷺ)
الدعاء الأعظم والأهم الذي ينبغي على كل مسلم الإكثار منه في الليالي التي تُرجى فيها ليلة القدر، هو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي):
اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3513، وقال عنه: “حديث حسن صحيح”.
وهذا الدعاء المبارك يجمع خيري الدنيا والآخرة، فمن عفا الله عنه فقد فاز فوزًا عظيمًا، ويُستحب الإلحاح به وتكراره بخشوع ويقين في هذه الليلة المباركة.
أدعية جامعة من القرآن الكريم والسنة النبوية
إلى جانب الدعاء المأثور لليلة القدر، يُستحب للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، والأفضل هو الدعاء بالأدعية الجامعة الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنها:
- دعاء من القرآن الكريم: وهو من أجمع الأدعية لخيري الدنيا والآخرة.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
(سورة البقرة: 201).
- دعاء جامع من السنة النبوية: وهو من الأدعية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا”
المصدر: سنن ابن ماجه، حديث رقم 3846، وصححه الألباني.
صيغ دعاء منتشرة وحكمها الشرعي
تنتشر بين بعض الناس صيغ أدعية وأذكار تُنسب لليالي معينة من رمضان، ومن المهم التحقق من ثبوتها قبل العمل بها ونشرها.
صيغة دعاء متداولة
من الأدعية التي يتداولها البعض في ليلة السابع والعشرين من رمضان:
- “اللَّهُمَّ وَفِّرْ حَظِّي فِيهِ مِنَ النَّوَافِلِ، وَأَكْرِمْنِي فِيهِ بِإِحْضَارِ الْمَسَائِلِ، وَقَرِّبْ وَسِيلَتِي إِلَيْكَ مِنْ بَيْنِ الْوَسَائِلِ، يَا مَنْ لَا يَشْغَلُهُ إِلْحَاحُ الْمُلِحِّينَ”.
- ويُنسب إليه فضل: “مَنْ دَعَا بِهِ فَكَأَنَّمَا أَطْعَمَ كُلَّ جَائِعٍ…”.
تنبيه هام حول الأدعية غير الثابتة
تنبيه هام: هذه الصيغة المذكورة أعلاه وما ينسب إليها من فضل، هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير، والدعاء بما لم يثبت قد يدخل في باب الابتداع، خاصة عند تخصيصه بوقت معين أو ترتيب فضل معين عليه.
نماذج من الأدعية العامة لليلة 27 رمضان
يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من صيغ عامة تجمع خيري الدنيا والآخرة، شريطة ألا يعتقد أنها خاصة بهذه الليلة بعينها، وهذه أمثلة على أدعية طيبة يمكن الدعاء بها:
- اللَّهُمَّ يَا مَنْ أَنْزَلْتَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، أَكْرِمْنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ، وَالْطُفْ بِنَا، وَارْحَمْنَا، وَاغْفِرْ لَنَا، وَاعْتِقْ رِقَابَنَا وَرِقَابَ آبَائِنَا مِنَ النَّارِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِمَّنْ تَسَلَّمُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ، وَاكْتُبْنَا مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ، وَاجْعَلْنَا مِنْ الْمَقْبُولِينَ الْفَائِزِينَ بِرِضْوَانِكَ وَجَنَّتِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
- رَبَّنَا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ الدَّائِمَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا.
أعمال مستحبة لإحياء ليلة القدر
لتحقيق أفضل استثمار لهذه الليلة المباركة، يُنصح بالحرص على مجموعة من الأعمال الصالحة التي تعظم الأجر وتقرب العبد من ربه:
- قيام الليل: الصلاة بخشوع وتدبر من أفضل الأعمال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (متفق عليه).
- الإكثار من الدعاء: خاصة دعاء “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”، مع الدعاء للنفس والأهل والمسلمين.
- تلاوة القرآن الكريم: قراءة القرآن بتدبر وفهم لمعانيه، فهو الشهر الذي أُنزل فيه.
- الصدقة: البذل والإنفاق في هذه الليلة يضاعف الأجر، فالعمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
- الاعتكاف: وهو لزوم المسجد للعبادة، وهو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر.
- التوبة النصوح: تجديد التوبة الصادقة والعزم على ترك الذنوب والمعاصي، فهي ليلة مغفرة ورجوع إلى الله.
- صفاء القلب: مسامحة الناس والعفو عنهم، وتطهير القلب من الشحناء والبغضاء، ليكون القلب مهيأً لنفحات رحمة الله.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح البخاري وصحيح مسلم (متفق عليه)، حديث فضل قيام ليلة القدر، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3513، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 3846، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول ليلة 27 رمضان
ما هو أفضل دعاء في ليلة 27 رمضان؟
أفضل دعاء هو ما ورد في السنة النبوية الصحيحة، وهو قول: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، وهو دعاء جامع يُستحب الإكثار منه في كل الليالي التي يُرجى فيها ليلة القدر.
هل ليلة القدر هي ليلة 27 من رمضان حصرًا؟
ليلة السابع والعشرين هي أرجى الليالي أن تكون ليلة القدر حسب أقوال كثير من العلماء، ولكنها ليست مؤكدة، والصحيح أنها تتنقل في الليالي الوترية من العشر الأواخر من رمضان، لذا يجب على المسلم الاجتهاد في جميع هذه الليالي (21، 23، 25، 27، 29) لنيل فضلها.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة بلغته وبأسلوبه، ما لم يكن في الدعاء إثم أو قطيعة رحم، لكن الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.

