دعاء نحر الأضحية مكتوب؛ اللهم هذا منك ولك

مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، يحرص المسلمون على إحياء شعيرة الأضحية، وهي من أعظم القربات إلى الله تعالى، ولضمان قبول هذا النسك، من الضروري الالتزام بالهدي النبوي في آدابها وأدعيتها، نوضح في هذا الدليل الموثوق الصيغة الصحيحة لدعاء نحر الأضحية، وأحكامها، والآداب الشرعية المتعلقة بها، استنادًا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

الصيغة الصحيحة الثابتة في السنة عند ذبح الأضحية

إن الأصل في الذبح هو التسمية، وهي واجبة عند جمهور العلماء، ويُستحب معها التكبير واتباع الصيغ الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي كافية ومباركة، وفيما يلي تفصيل ما ثبت في السنة الصحيحة:

  1. التسمية والتكبير (الأصل الواجب والمستحب):
    أقل ما يجزئ ويجب على الذابح قوله هو: “بِسْمِ اللهِ”، ويُستحب أن يضيف إليه التكبير فيقول: “بِسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ”، وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة، منها ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه:

    “ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا.”

    (المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 5565).

  2. الدعاء بالقبول (فعل النبي ﷺ):
    ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله بالقبول عند الذبح، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن، ثم قال:

    “يا عَائِشَةُ، هَلُمِّي المُدْيَةَ..، ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الكَبْشَ فأضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِن مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ.”

    (المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1967).

  3. الدعاء عند توجيه الذبيحة للقبلة:
    يُستحب توجيه الذبيحة إلى القبلة، وقد ورد في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: “ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوءين، فلما وجههما قال:

    “إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ذَبَحَ.”

    (المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 2795، وحسنه بعض أهل العلم)، والآيات المذكورة هي من سورة الأنعام.

    “إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ..، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ” [الأنعام: 79، 162-163].

    .

الصيغة الصحيحة لدعاء نحر الأضحية مع الأدلة من السنة النبوية

صيغ وأدعية إضافية مشروعة

يمكن للمضحي أن يزيد على ما سبق بعض الأدعية العامة التي تحمل معنى القبول والتبرك، وهي من باب الدعاء العام الذي لا حرج فيه، وهذه الصيغ لم ترد بلفظها في حديث مخصص، ولكن معناها صحيح، ومن أمثلتها:

  • إذا كانت الأضحية عن نفسه: “اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي”.
  • إذا كانت عن غيره: “اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلانٍ” (ويذكر اسم الشخص).
  • إذا كانت عن نفسه وأهل بيته: “اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِي”.
  • إذا كانت عن شخص متوفى: “بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، هَذَا عَنْ فُلانٍ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْهُ”.

تنبيه هام: هذه الصيغ الإضافية هي من الأدعية العامة والمأثورة التي معناها صحيح، والأصل هو الاكتفاء بما ورد وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أكمل الهدي وأعظم البركة.

فضل الأضحية ومكانتها في الهدي النبوي

الأضحية سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم للقادر عليها، وهي من أعظم القربات في يوم النحر، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم فضلها في أحاديث صحيحة، منها:

  • أحب الأعمال إلى الله يوم النحر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    “ما عمِلَ آدميٌّ من عملٍ يومَ النَّحرِ أحبَّ إلى اللَّهِ من إهراقِ الدَّمِ، إنَّها لتأتي يومَ القيامةِ بقرونِها وأشعارِها وأظلافِها، وإنَّ الدَّمَ ليقعُ من اللَّهِ بمكانٍ قبلَ أن يقعَ منَ الأرضِ، فطيبوا بها نفسًا.”

    (المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 1493، حديث حسن).

  • سنة أبينا إبراهيم عليه السلام:أما الحديث المشهور الذي يروى عن زيد بن أرقم وفيه: “بكل شعرة حسنة”، فهو حديث ضعيف الإسناد، وقد ضعفه كثير من أهل العلم، ويكفي في فضل الأضحية أنها سنة أبينا إبراهيم عليه السلام، وأنها من أحب الأعمال إلى الله يوم النحر كما في الحديث الحسن السابق.

الضوابط الشرعية وآداب ذبح الأضحية

لضمان صحة الأضحية وقبولها، يجب الالتزام بمجموعة من الشروط والآداب المستمدة من السنة النبوية، وأهمها:

  • وقت الذبح: يبدأ وقت الذبح بعد صلاة عيد الأضحى وينتهي بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق (أي يوم 13 من ذي الحجة)، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

    “مَن ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فإنَّما هو لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأهْلِهِ، وليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ.”

    (المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 5545).

  • سلامة الأضحية من العيوب: يجب أن تكون الأضحية سليمة من العيوب التي تمنع إجزاءها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    “أربعٌ لا تجوزُ في الأضاحيِّ: العوراءُ البيِّنُ عَوَرُها، والمريضةُ البيِّنُ مرضُها، والعرجاءُ البيِّنُ ظَلْعُها، والكبيرةُ الَّتي لا تُنقي.”

    (المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 2802، حديث صحيح).

  • الإحسان إلى الذبيحة: من أهم الآداب الإسلامية الرفق بالحيوان والإحسان إليه عند الذبح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    “إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ.”

    (المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1955).

  • استقبال القبلة: يُستحب توجيه الذبيحة نحو القبلة عند الذبح.
  • الإمساك عن الشعر والأظفار: يُسن لمن أراد أن يضحي أن يمسك عن أخذ شيء من شعره أو أظفاره منذ رؤية هلال ذي الحجة حتى يذبح أضحيته، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

    “إذا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الحِجَّةِ، وأَرادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِهِ وأَظْفارِهِ.”

    (المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1977).

شروط الأضحية وآداب الذبح كما وردت في السنة النبوية

الطريقة الشرعية لتوزيع الأضحية

يُستحب للمضحي أن يقسم أضحيته إلى ثلاثة أثلاث، عملًا بقوله تعالى:

“فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ” [الحج: 36]

، والتقسيم المستحب كما جرى عليه عمل السلف الصالح هو:

  • ثلث لأهل بيته: يأكل منه هو وأسرته.
  • ثلث للأقارب والأصدقاء: يهديه لمن يشاء من جيرانه وأحبابه.
  • ثلث للفقراء والمحتاجين: يتصدق به على من لا يجد، تحقيقًا لمقصد التكافل الاجتماعي في هذه الشعيرة.

ويجوز للمضحي أن يأكلها كلها أو يتصدق بها كلها، فالأمر فيه سعة، ولكن التقسيم إلى أثلاث هو الأفضل والأكمل اتباعًا للسنة وتحقيقًا لمقاصد الشريعة.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

ما هو الدعاء الواجب عند ذبح الأضحية؟

الواجب هو قول “بِسْمِ اللهِ” عند الذبح، وما زاد على ذلك من التكبير والدعاء بالقبول فهو مستحب ويُثاب فاعله.

هل يجب قول الدعاء الطويل المذكور في حديث جابر؟

لا يجب، بل هو من المستحبات، ويكفي المضحي أن يسمي ويكبر ويدعو بالقبول كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة، فهو أخصر وأصح سندًا.

متى يبدأ وقت الإمساك عن الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي؟

يبدأ من دخول شهر ذي الحجة (أي من غروب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة) ويستمر حتى يذبح المضحي أضحيته.

ما حكم حديث “بكل شعرة حسنة” في فضل الأضحية؟

هذا الحديث ضعيف الإسناد عند أهل العلم بالحديث، والأفضل الاعتماد على الأحاديث الصحيحة الثابتة في فضل الأضحية، مثل حديث “ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم”.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات