إن للمسجد الحرام قدسيته ومكانته العظيمة التي تقتضي من كل مسلم مراعاة الآداب الشرعية عند زيارته، ومن الأهمية بمكان أن يكون الزائر واعيًا بهذه الآداب، ملتزمًا بالسلوكيات التي تعكس تعظيم شعائر الله في هذا المكان المبارك، وفيما يلي بعض الآداب التي يُستحب مراعاتها:
- الطهارة الكاملة: يُسن للمسلم أن يكون على طهارة كاملة من الحدثين الأكبر والأصغر قبل دخول المسجد الحرام، وهي شرط لصحة الطواف بالكعبة المشرفة.
- اللباس المحتشم: ارتداء لباس نظيف وساتر يتناسب مع جلال المكان، مما يعكس الخشوع والاحترام لبيت الله الحرام.
- السكينة والوقار: التحلي بالأدب، وخفض الصوت، وتجنب الانشغال بأحاديث الدنيا أو ما قد يشوش على المصلين والطائفين، فالحرم موضع للعبادة والذكر والخشوع.
- المحافظة على النظافة: الحرص على نظافة المسجد الحرام بعدم إلقاء النفايات إلا في الأماكن المخصصة، فالنظافة من الإيمان، وهي في أطهر بقاع الأرض آكد.
- إفساح المجال للآخرين: عدم التضييق على المصلين والطائفين، وتجنب الجلوس في الممرات أو أماكن الزحام، ليسهل على الجميع أداء عباداتهم بطمأنينة.
- التيسير عند الزحام: تجنب المزاحمة الشديدة عند الحجر الأسود أو مقام إبراهيم، والاكتفاء بالإشارة إليهما عند تعذر الوصول، اتباعًا للسنة وتجنبًا لإيذاء المسلمين.
- الحرص على صلاة الجماعة: اغتنام فرصة الصلاة في المسجد الحرام، حيث تُضاعف الصلاة فيه، والحرص على أدائها في جماعة لنيل الأجر العظيم.
- الصبر وحسن الخلق: التحلي بالصبر والهدوء، خاصة في أوقات الزحام، والترفع عن الخصومات والمشادات التي قد تُنقص من أجر العبادة.
- الإكثار من الدعاء: استغلال شرف الزمان والمكان بالإكثار من الدعاء للنفس والأهل وعموم المسلمين، فالدعاء في هذه البقاع الطاهرة من أرجى مواطن الإجابة.
- استشعار عظمة المكان: التفكر في عظمة بيت الله الحرام ورحمة الله بعباده، واستشعار نعمة التوفيق لزيارة هذا المكان المبارك وشكر الله عليها.
الدعاء المشروع عند نية العمرة والإحرام بها
النية محلها القلب، وهي عزم المسلم على أداء العمرة طاعةً لله تعالى، والأصل أن يتلفظ المعتمر عند الميقات بما نوى، فيقول “لبيك عمرةً”، ثم يبدأ بالتلبية التي هي شعار هذه العبادة العظيمة، أما الدعاء الوارد في السنة النبوية عند الإهلال بالعمرة فهو التلبية.
1، التلبية (شعار العمرة)
التلبية هي الذكر الأساسي الذي يردده المعتمر منذ عقد نية الإحرام وحتى يبدأ بالطواف، وصيغتها الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي:
“لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ”.
المصدر: حديث متفق عليه (رواه البخاري ومسلم).
2، دعاء الإهلال بالعمرة
يُستحب للمعتمر عند عقد النية في الميقات أن يقول:
“اللَّهُمَّ هَذِهِ عُمْرَةٌ، لا رِيَاءَ فِيهَا وَلا سُمْعَةً”.
المصدر: ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وحسّنه بعض أهل العلم.
وإن كان المعتمر يخشى عائقًا يمنعه من إتمام عمرته (كمرض أو غيره)، فيُسن له أن يشترط عند الإحرام بقوله:
“اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي”.
المصدر: حديث متفق عليه (رواه البخاري ومسلم).
أدعية عامة شائعة عند نية العمرة
يتداول بعض الناس صيغًا محددة للدعاء عند نية العمرة، ورغم أن معانيها صحيحة في مجملها، إلا أنه لم يثبت تخصيصها بهذا الموطن عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة دون تخصيص صيغة معينة، ومن الأمثلة على هذه الأدعية المنتشرة:
- “اللهمَّ إني نَويتُ العُمرة، فيَسِّرها لي وتقبَّلها مني، وأعِنِّي عليها وبارِك لي فيها”.
- “يا الله نويتُ زيارة بيتِك الحرام، فاللهمَّ أعِنِّي على ذلك، واهدِني إلى صِراطِك المستقيم، وثبِّتني على طاعتِك، وارزُقني التقوى وحُسن الختام”.
- “اللهم إني قصدت بيتك راجيًا رضاك، فتقبل مني عمرتي، واغفر لي ذنوبي، وأصلح حالي، وهب لي من رحمتك ما ييسر لي دنياي وآخرتي”.
- “اللهم احفظني بحفظك، واسترني بسترك، وبارك لي في رحلتي، وأبعد عني كل شرٍّ وبلاء، وارزقني التوفيق والسداد يا واسع الفضل”.
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية
تنبيه: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه أنها تُقال خصيصًا عند نية العمرة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها الخير العظيم.
الحكم الشرعي: الدعاء بهذه الصيغ أو بغيرها من الأدعية التي تحمل معانٍ طيبة هو أمر جائز من حيث الأصل، لأن باب الدعاء واسع، لكن الخطأ يكمن في اعتقاد أن هذه الصيغ هي سنة مخصصة لنية العمرة، أو أن لها فضلًا خاصًا في هذا الموطن، والأولى بالمسلم هو الالتزام بالوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو التلفظ بالنسك (لبيك عمرةً) ثم الإكثار من التلبية.
دعاء السفر للعمرة
بما أن العمرة تتضمن سفرًا، فيُسن للمعتمر أن يدعو بأدعية السفر الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند ركوب دابته (سيارته أو طائرته)، ومنها:
“اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 13-14]، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ”.
المصدر: حديث صحيح (رواه مسلم).
ما الشروط الواجب توفرها لوجوب العمرة؟
لكي تكون العمرة واجبة على المسلم (مرة واحدة في العمر على القول الراجح)، يجب أن تتوفر فيه شروط أساسية، وهي:
- الإسلام: فلا تصح العمرة ولا تجب إلا على المسلم.
- العقل: فلا تجب على فاقد العقل، لأنه ليس من أهل التكليف.
- البلوغ: فلا تجب على الصبي حتى يبلغ، وإن اعتمر قبل البلوغ صحت عمرته نافلة.
- الحرية: فلا تجب على العبد المملوك.
- الاستطاعة: وهي القدرة المالية والبدنية، وتشمل وجود الزاد والراحلة (وسيلة السفر)، وأمن الطريق، وقدرة البدن على أداء المناسك، وهي شرط للوجوب، لقوله تعالى:
“وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا” [آل عمران: 97]
، والعمرة مثل الحج في هذا الشرط.
فكل مسلم عاقل بالغ حر ومستطيع، تجب عليه العمرة مرة في حياته، وما زاد على ذلك فهو تطوع وقربة عظيمة إلى الله تعالى.
المصادر والمراجع
- سورة الزخرف، الآيتان 13-14.
- سورة آل عمران، الآية 97.
- صحيح البخاري وصحيح مسلم (الأحاديث المتفق عليها)، (يمكن مراجعتها على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
س1: هل يجب التلفظ بنية العمرة؟
النية محلها القلب، ولكن يُسن للمعتمر أن يتلفظ بما نواه عند الميقات فيقول: “لبيك عمرةً”، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
س2: ما هو أول دعاء يقوله المعتمر عند الإحرام؟
أول وأهم ذكر هو التلبية: “لبيك اللهم لبيك…”، يبدأ بها مباشرة بعد عقد نية الإحرام، ويستمر في ترديدها حتى يشرع في الطواف.
س3: هل يجوز الدعاء بأدعية من عندي عند نية العمرة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من الأدعية الطيبة التي فيها خير الدنيا والآخرة، ولكن لا ينبغي أن يعتقد أن هذه الأدعية من السنة، أو أن لها صيغة محددة خاصة بهذا الموطن، الأفضل دائمًا هو الالتزام بالأدعية والأذكار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم.


