دعاء سجود الشكر

شَرَعَ اللهُ -عز وجل- العبادات للمسلمين ليتقربوا بها إليه، وليكونوا من الشاكرين على نعمه التي لا تُحصى، ومن أعظم صور التعبير عن الشكر الفوري لله عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة هو “سجود الشكر”، حيث يخرُّ العبد ساجدًا لربه، معترفًا بفضله ومُنته.

إن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، كما أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتتعدد أنواع السجود في الإسلام، فمنه ما هو في الصلوات المفروضة والنوافل، ومنه سجود التلاوة، وسجود السهو، وموضوع مقالنا اليوم هو سجود الشكر الذي يُشرع عند حدوث أمرٍ سارٍ للعبد كقدوم مولود، أو تحقيق نجاح، أو النجاة من مكروه.

مشروعية سجود الشكر وحكمه الشرعي

سجود الشكر سنةٌ ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مستحب عند جمهور العلماء، ودليل مشروعيته ما ورد عن أبي بكرة رضي الله عنه:

“أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ، خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ”.

المصدر: سنن أبي داود وسنن الترمذي، وهو حديث حسن.

وهذا دليل واضح على أن هذه السجدة تُفعل عند تجدد النعم وحدوث ما يسرُّ العبد، تعظيمًا لله وشكرًا له على فضله.

فضل سجود الشكر وأهميته في حياة المسلم

ماذا يُقال في سجود الشكر؟ (الدعاء المأثور)

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاءٌ مخصصٌ لسجود الشكر بلفظه، لذلك، ذهب العلماء إلى أنه يُقال فيه ما يُقال في سجود الصلاة من تسبيح ودعاء، ومن الأدعية الصحيحة التي يمكن الدعاء بها في السجود عمومًا:

  • التسبيح الأساسي: “سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى” (ثلاث مرات).
  • دعاء مأثور من السنة: وهو ما ورد في صحيح مسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده:

    “اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ”.

    .

  • الدعاء بما يفتح الله به على العبد: يمكن للمسلم أن يحمد الله ويثني عليه بلسانه، ويدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، شاكرًا له النعمة التي سجد من أجلها.

تنبيه هام حول صيغ منتشرة

تنتشر بين الناس بعض الممارسات التي لا أصل لها في السنة، ومنها تخصيص سجود الشكر بعد كل صلاة مكتوبة، وهذا الفعل لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، بل هو من الأمور المحدثة، فسجود الشكر مرتبط بسبب متجدد، وليس عبادة روتينية.

أما الحديث الذي وصى به النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه أن يقول دبر كل صلاة:

“اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ”.

فهو دعاء وذكر يُقال باللسان بعد الصلاة، وليس فيه دليل على مشروعية السجود في هذا الموضع.

كيفية أداء سجود الشكر والأدعية الصحيحة فيه

أحكام وشروط سجود الشكر

اختلف العلماء في اشتراط الطهارة واستقبال القبلة لسجود الشكر، والقول الراجح الذي اختاره جمع من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية، أنه لا يُشترط له ما يُشترط للصلاة؛ لأنه ليس صلاة، بل هو مجرد سجدة مفردة للتعبير عن الشكر، وبناءً على ذلك:

  • لا تشترط له الطهارة (الوضوء).
  • لا يشترط له استقبال القبلة، وإن كان أفضل.
  • لا يشترط له ستر العورة بنفس شروط الصلاة (خاصة للمرأة إذا فاجأها الخبر السار وهي في بيتها).
  • لا يوجد فيه تكبيرة إحرام في أوله، ولا تسليم في آخره.

فإذا بُشِّر المسلم بخبر سارّ، يُسن له أن يخرَّ ساجدًا على هيئته التي هو عليها شكرًا لله تعالى.

أهمية الشكر في حياة المسلم

إن سجود الشكر هو تعبير عملي عن عقيدة المسلم الراسخة بأن كل النعم من الله وحده، فالشكر ليس مجرد عبادة، بل هو مفتاح لزيادة النعم والبركات، كما وعد الله تعالى في كتابه الكريم:

“وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” [إبراهيم: 7].

فالشكر بالقلب اعترافًا، وباللسان حمدًا وثناءً، وبالجوارح طاعةً، هو سبيل لرضا الله تعالى وحفظ النعم وزيادتها.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة (FAQs)

ما هو الحكم الشرعي لسجود الشكر بعد كل صلاة؟

هذا العمل لا أصل له في السنة النبوية وهو من البدع المحدثة، سجود الشكر يُشرع عند سبب متجدد (نعمة جديدة أو دفع نقمة)، وليس كعبادة روتينية بعد الصلوات.

هل هناك دعاء محدد يجب قوله في سجود الشكر؟

لا، لم يثبت دعاء مخصص، يُقال فيه ما يُقال في سجود الصلاة عمومًا، مثل “سبحان ربي الأعلى”، مع حمد الله والثناء عليه والدعاء بما يفتح الله به على العبد.

هل يشترط الوضوء واستقبال القبلة لسجود الشكر؟

القول الراجح عند كثير من أهل العلم أنه لا يُشترط له وضوء ولا استقبال قبلة، لأنه ليس صلاة، بل هو عبادة مستقلة تُفعل على أي حال كان عليها الشخص عند سماع الخبر السار.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات