يُعد الدعاء بعد إتمام تلاوة القرآن الكريم من الأعمال الصالحة التي يحرص عليها المسلمون، اقتداءً بفعل بعض الصحابة والسلف الصالح، ورجاءً للقبول والبركة، فالقرآن الكريم هو كلام الله المُنزّل، وهو هداية ونور، وتلاوته عبادة عظيمة يجتمع لها القلب واللسان، والدعاء عقب هذه العبادة من أرجى مواطن إجابة الدعاء.

إن فضل القرآن عظيم، فهو الذي يهدي للتي هي أقوم، ويُخرج الناس من الظلمات إلى النور، وفيه شفاء لما في الصدور، وقد ورد في فضله وبيان أحكامه وقصصه ما يُصلح حياة الفرد والمجتمع، ويُرسي قواعد الإيمان واليقين في القلوب.

حكم دعاء ختم القرآن وصحة نسبته لابن تيمية
من المهم توضيح أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاءٌ مخصصٌ بلفظ معين لختم القرآن الكريم، إلا أن الدعاء بعد ختمه مشروع ومستحب، فقد ثبت عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم، وهذا يدل على أن للدعاء عند ختم القرآن أصلاً في فعل السلف.
أما بخصوص “دعاء ختم القرآن المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية”، فلا يوجد نص ثابت ومحدد يُعرف بأنه دعاؤه الخاص للختم، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أقرّ مشروعية الدعاء بعد الختم، وما يتم تداوله هو في حقيقته مجموعة من الأدعية الجامعة التي جمعها بعض أهل العلم، وهي أدعية عظيمة في معانيها، ولكن لا تصح نسبتها كنص ثابت وضعه ابن تيمية بنفسه.

صيغ شائعة وأدعية جامعة تُقال عند ختم القرآن
هذه مجموعة من الأدعية المباركة التي تتضمن معاني جليلة، ويُستحسن الدعاء بها عند ختم القرآن الكريم لشموليتها وجمعها لخيري الدنيا والآخرة.

- من الأدعية المأثورة والمستحسنة: “اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بالقُرْآنِ وَاجْعَلهُ لِي إِمَاماً وَنُوراً وَهُدًى وَرَحْمَةً، اللَّهُمَّ ذَكِّرْنِي مِنْهُ مَا نَسِيتُ وَعَلِّمْنِي مِنْهُ مَا جَهِلْتُ وَارْزُقْنِي تِلاَوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ وَاجْعَلْهُ لِي حُجَّةً يَا رَبَّ العَالَمِينَ”.
- دعاء من السنة النبوية الشريفة:
 “اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا” (رواه الترمذي، حديث حسن). 
- من الأدعية الجامعة للخير: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالفَوْزَ بِالجَنَّةِ، وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ”.

تنبيه هام: الأدعية المذكورة أعلاه، باستثناء حديث الترمذي، هي من الأدعية العامة والمأثورة عن السلف والعلماء، وليست حديثاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم بخصوص ختم القرآن، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي لا تخالف الشرع.
أدعية إضافية يمكن الدعاء بها عند الختم
يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وهذه أمثلة لأدعية جامعة يمكن الاستئناس بها:

- اللَّهُمَّ اجْعَلِ القُرآنَ العظيمَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُورَ صُدُورِنَا، وَجَلاَءَ أَحْزَانِنَا، وَذَهَابَ هُمُومِنَا.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يُقِيمُ حُرُوفَهُ وَحُدُودَهُ، وَلاَ تَجْعَلْنَا مِمَّنْ يُقِيمُ حُرُوفَهُ وَيُضَيِّعُ حُدُودَهُ.
- رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
 “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201] . 
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمْرِي آخِرَهُ، وَخَيْرَ عَمَلِي خَوَاتِمَهُ، وَخَيْرَ أَيَّامِي يَوْمَ أَلْقَاكَ فِيهِ.

أهمية وفضل تلاوة القرآن الكريم
إن لتلاوة القرآن الكريم وتدبره فضائل عظيمة وثمارًا يانعة يجنيها المسلم في دنياه وآخرته، ومن أبرز هذه الفضائل:

- مضاعفة الأجر والثواب: ينال القارئ أجرًا عظيمًا، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 “مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ” (رواه الترمذي، حديث صحيح). 
- الشفاعة يوم القيامة: يكون القرآن شفيعًا لأصحابه يوم القيامة، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
 “اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ” (رواه مسلم). 
- الرفعة وعلو المنزلة: يرفع الله تعالى أهل القرآن في الدنيا والآخرة، ويجعلهم في منزلة الملائكة السفرة الكرام البررة.
- سكينة القلب وطمأنينته: تلاوة القرآن وذِكر الله من أعظم أسباب نزول السكينة على القلوب وراحتها، قال تعالى:
 “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد: 28] . 

إن المواظبة على تلاوة كتاب الله مع تدبر معانيه والعمل بأحكامه، هي سبيل النجاة والفوز في الدارين، والدعاء بعد إتمام هذه العبادة هو شكر لله على نعمته، وطلب للمزيد من فضله، وتعبير عن حاجة العبد وافتقاره إلى ربه في كل حين.

المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة الرعد، الآية 28.
- سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن، حديث رقم 2910، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، كتاب الدعوات، حديث رقم 3591، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم 804، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (لبيان رأيه في مشروعية الدعاء بعد الختم).
أسئلة شائعة (FAQs)
س1: هل يوجد دعاء ثابت عن النبي لختم القرآن؟
لا، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاءٌ محدد بلفظه لختم القرآن، ولكن الدعاء بعد الختم مشروع ومستحب، ويُدعى فيه بجوامع الكلم وبما يفتح الله على عبده من الخير.
س2: ما صحة دعاء ختم القرآن المنسوب لابن تيمية؟
لا تصح نسبة نص دعاء محدد لشيخ الإسلام ابن تيمية، فهو لم يؤلف دعاءً معيناً للختم، والصيغ المنتشرة هي أدعية جامعة ومستحسنة، لكن نسبتها إليه غير دقيقة.
س3: متى يكون دعاء ختم القرآن؟ هل هو داخل الصلاة أم خارجها؟
يجوز الأمران، يمكن أن يكون الدعاء بعد آخر سورة يقرؤها في الصلاة (بعد الركوع أو بعد التشهد الأخير وقبل السلام)، أو بعد الانتهاء من الختمة خارج الصلاة، وهو الأوسع والأيسر.
س4: هل من السنة جمع الأهل للدعاء عند ختم القرآن؟
نعم، هذا الفعل له أصل، فقد ثبت عن الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يجمع أهله ويدعو لهم عند ختمه للقرآن، مما يدل على استحباب هذا الفعل.
 
		
دعاء الشيخ ابن تيمية رحمه الله لختم القرآن الكريم