تُعدّ ليلة الإسراء والمعراج إحدى أبرز المعجزات التي أكرم الله بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهي حدث عظيم في التاريخ الإسلامي يجسّد مكانة النبي السامية، في هذه الرحلة الربانية، أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث أمَّ الأنبياء، ثم عُرج به إلى السماوات العُلى، مما يجعل هذه الذكرى مناسبة للتفكر في عظمة قدرة الله وتكريمه لنبيه.
ومع أهمية هذه المناسبة، من الضروري التنبيه إلى أنه لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة تخصيص هذه الليلة بعبادات أو أدعية معينة، ومع ذلك، فالدعاء خير في كل وقت، ويجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة في هذه الليلة وغيرها من الأوقات، ملتزمًا بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
أدعية قرآنية ونبوية جامعة تناسب كل وقت
الدعاء هو العبادة، وخير الدعاء ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، هذه بعض الأدعية الصحيحة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في كل وقت وحين، طالبًا من الله قضاء حوائجه وتفريج كروبه:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة: وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي ﷺ.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
(المصدر: سورة البقرة، الآية 201)..
- دعاء نبي الله يونس لتفريج الكروب:
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”
(المصدر: سورة الأنبياء، الآية 87). وقد صح عن النبي ﷺ قوله:
“دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجاب اللهُ له”.
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح)..
- دعاء لطلب العفو والعافية:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي”.
(المصدر: سنن أبي داود، حديث صحيح)، وهو من أذكار الصباح والمساء..
صيغ دعاء شائعة ومنتشرة
يتداول بعض الناس صيغًا معينة من الأدعية ينسبونها لمناسبات خاصة كليلة الإسراء والمعراج، ورغم أن معاني بعضها قد تكون حسنة، إلا أنه من الأهمية بمكان معرفة حكمها الشرعي، نورد هنا بعض الأمثلة الشائعة للتوضيح:
- “اللهم يا من تسمع دعاء المضطرين وتكشف الغم وتفرج الكرب، أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس…” (هذه الصيغة تشبه في معناها الدعاء المأثور عن النبي ﷺ عند عودته من الطائف، ولكن هذه الرواية بهذا السياق الكامل لم تثبت بسند صحيح).
- “اللهم إني أسألك أن تصرف عني أعين الحاسدين وألسنة الشامتين، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع صدري…”.
- “يا الله يا من أوكلت أمورنا إليك ورضينا بقضائك، أسألك بكل اسم هو لك..، أن تجعل القرآن الكريم نورًا لقلبي…”.
- “اللَّهُم إنِّي أَسْأَلكَ يَا مَنْ تَخْضَعُ لَهُ كُلُّ مَخْلُوقَاتِهِ..، يَا اللَّهُ يَا رَحْمَٰنُ يَا رَحِيمُ يَا وَدُودُ..، ارْحَمْ عَبْدًا أَذْنَبَ وَقَصَّرَ…” (وهي صيغة طويلة ومسجوعة).
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الكرام، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة، أما تخصيص هذه الأدعية أو غيرها بليلة الإسراء والمعراج فهو أمر لا أصل له في الشرع.
حكم تخصيص ليلة الإسراء والمعراج بالدعاء والعبادة
أكد أهل العلم أن العبادات في الإسلام توقيفية، أي أنها مبنية على ما ورد به الدليل من القرآن والسنة، ولم يرد عن النبي ﷺ أو صحابته الكرام أنهم كانوا يخصون ليلة الإسراء والمعراج باحتفال أو صيام أو قيام أو دعاء معين، وبناءً على ذلك، فإن تخصيصها بأي عبادة لم يشرعها الله يعد من الأمور المحدثة (البدع)، والصحيح هو الإكثار من العبادات المشروعة في كل وقت، كالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن، دون تخصيصها بزمان أو مكان لم يرد به دليل شرعي.
خلفية رحلة الإسراء والمعراج: عام الحزن
جاءت رحلة الإسراء والمعراج تكريمًا وتسلية من الله لنبيه ﷺ بعد عام صعب عُرف بـ “عام الحزن”، في هذا العام، فقد النبي ﷺ اثنين من أكبر الداعمين له:
- عمه أبو طالب: الذي كان يمثل له الحماية والسند الاجتماعي في مكة ضد أذى قريش، بوفاته، اشتد الأذى على النبي ﷺ.
- زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها: التي كانت له السند العاطفي والنفسي، وأول من آمن به وواسته بمالها ونفسها.
بعد هذه الأحداث المؤلمة، توجه النبي ﷺ إلى الطائف لدعوة أهلها إلى الإسلام، فقابلوه بالرفض والأذى الشديد، وفي خضم هذا الكرب، جاءت رحلة الإسراء والمعراج كمنحة ربانية لتثبيت فؤاده، وليريه الله من آياته الكبرى، تأكيدًا على صدق رسالته ورفعة مكانته.
تفاصيل معجزة الإسراء والمعراج العظيمة
تُعد هذه المعجزة رحلة ذات شقين، كلاهما تم في جزء من ليلة واحدة:
- الإسراء: وهي الرحلة الأرضية من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس على دابة البُراق، بصحبة جبريل عليه السلام، وهناك، صلى النبي ﷺ إمامًا بالأنبياء جميعًا.
- المعراج: وهي الرحلة السماوية من المسجد الأقصى إلى السماوات العُلى، حيث التقى النبي ﷺ في كل سماء بنبي من الأنبياء (آدم، يحيى وعيسى، يوسف، إدريس، هارون، موسى، وإبراهيم عليهم السلام).
وفي سدرة المنتهى، فُرضت الصلاة على أمته خمسين صلاة، ثم خُففت إلى خمس صلوات في الأداء وخمسين في الأجر، رحمة من الله بعباده، وهذا يدل على عظم مكانة الصلاة، حيث كانت الفريضة الوحيدة التي فُرضت مباشرة من الله على نبيه في السماء.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سنن الترمذي، حديث رقم 3505، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 5090، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
هل هناك دعاء خاص بليلة الإسراء والمعراج؟
لا، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أي دعاء مخصص لهذه الليلة، والأفضل هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة الصحيحة في كل وقت.
ما هو أفضل عمل يمكن القيام به في ذكرى الإسراء والمعراج؟
أفضل عمل هو التفكر في دروس وعبر هذه المعجزة، مثل الصبر على الأذى، واليقين بنصر الله، وأهمية الصلاة، كما يُستحب الإكثار من العبادات المشروعة كالصلاة والذكر وقراءة القرآن، دون اعتقاد أن لها فضلًا خاصًا في هذه الليلة تحديدًا.
هل الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج مشروع؟
لم يثبت عن النبي ﷺ أو صحابته أو السلف الصالح أنهم كانوا يحتفلون بهذه الليلة، ويرى كثير من العلماء أن تخصيصها باحتفال يعد من الأمور المحدثة التي ينبغي تجنبها، والاكتفاء بتذكر هذه المعجزة وأخذ العبرة منها.


