يعد شهر رمضان المبارك فرصة ثمينة للمسلمين لمضاعفة الطاعات والتقرب إلى الله تعالى، خاصة بالدعاء الذي هو مخ العبادة، ومع بلوغ الشهر منتصفه، يزداد حرص المؤمن على الإلحاح في الدعاء، راجياً من الله القبول والمغفرة، في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مع بيان حكم بعض الأدعية المنتشرة التي لا أصل لها.
أدعية صحيحة من القرآن والسنة النبوية
الأصل في الدعاء أن يكون بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها البركة والقبول بإذن الله، ومن هذه الأدعية:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة: وهو من أكثر أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه.
 “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” (المصدر: سورة البقرة، الآية 201، وهو أيضاً دعاء نبوي ثابت في صحيح البخاري ومسلم).. 
- دعاء الكرب وتفريج الهم:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ” (المصدر: صحيح البخاري، حديث صحيح).. 
- دعاء طلب العفو والعافية:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي” (المصدر: سنن أبي داود، حديث صحيح).. 
- دعاء لتطهير النفس من الخطايا:
 “اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ” (المصدر: متفق عليه – صحيح البخاري وصحيح مسلم).. 
أدعية عامة يمكن الدعاء بها في كل وقت
يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي ليس فيها إثم أو قطيعة رحم، خاصة في الأوقات المباركة كشهر رمضان، وهذه بعض الصيغ العامة التي تجمع معاني الخير:
- اللَّهُمَّ يا مُفرِّج الكروب، ويا مُجيب دعوة المضطرين، نسألك في هذا الوقت المبارك أن تفرّج همومنا، وتُزيح غمومنا، وتُيسّر أمورنا، وتقضي حوائجنا، وتكتب لنا الخير حيث كان ثم ترضينا به.
- اللَّهُمَّ طهّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
- ربنا اجعلنا لك ذكّارين، لك شكّارين، إليك أوّاهين مُنيبين، تقبّل يا رب توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا، وثبّت حُجّتنا، واهدِ قلوبنا، وسدّد ألسنتنا، واسلُل سخيمة قلوبنا.
- اللَّهُمَّ اجعلنا في هذا الشهر الكريم من عتقائك من النار، ومن المقبولين الفائزين، واجعلنا فيه من أهل البر والإحسان، ووفقنا لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً.
صيغ وأدعية شائعة لم تثبت صحتها
تنتشر بين الناس بعض الأدعية المخصصة لأيام رمضان أو التي يُنسب إليها فضل معين، ولكنها لم ترد في مصادر التشريع الموثوقة، نذكر بعض الأمثلة للتوضيح:
- “اللَّهُمَّ ارزُقْنِي فيهِ طَاعَةَ العَابِدِينَ، وَاشْرَحْ لي فيهِ صَدْرِي بإنَابَةِ المُخْبِتِينَ، بِأَمَانِكَ يَا أَمَانَ الْخَائِفِينَ.”.
- ما يُنسب من فضل لدعاء معين بأنه “يكتب الله له قضاء ثمانين حاجة من حاجات الدنيا وعشرين حاجة من حاجات الآخرة…”.
- تخصيص دعاء معين لكل يوم من أيام رمضان (مثل: دعاء اليوم الحادي عشر، دعاء اليوم الثاني عشر، …إلخ).
حكم هذه الأدعية المنتشرة
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه وما شابهها هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، أما تخصيص دعاء معين بوقت معين أو نسبة فضل محدد له دون دليل شرعي فهو من الأمور المحدثة التي ينبغي تجنبها، ومع ذلك، فإن معاني هذه الأدعية في مجملها طيبة، فيجوز الدعاء بها كدعاء عام دون تخصيصها بوقت أو اعتقاد فضل خاص بها.
آداب الدعاء وشروط استجابته
للدعاء آداب تزيد من فرصة قبوله بإذن الله، منها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله وحده.
- حضور القلب: الدعاء بقلب حاضر وموقن بالإجابة.
- البدء بحمد الله والثناء عليه: ثم الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
- الإلحاح في الدعاء: عدم الاستعجال وتكرار الدعاء.
- تحري أوقات الإجابة: كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وعند السجود، وفي شهر رمضان.
- أكل الحلال: فالمطعم الحلال من أعظم أسباب إجابة الدعاء، وقد ورد في الحديث: “أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة”، (رواه الطبراني، وفي سنده مقال، لكن معناه صحيح تدل عليه نصوص أخرى صحيحة)..
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، كتاب الأدب، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
هل هناك دعاء مخصص لليلة النصف من رمضان؟
لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة دعاء مخصص لليلة النصف من شهر رمضان، ولكنها ليلة مباركة ضمن ليالي الشهر الفضيل، ويُستحب للمسلم أن يجتهد فيها بالدعاء وسائر العبادات، ويدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة دون تخصيص صيغة معينة.
ما حكم تخصيص دعاء لكل يوم من أيام رمضان؟
تخصيص دعاء لكل يوم من أيام رمضان هو أمر لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام، ويُعد من البدع المحدثة، والأفضل للمسلم أن يدعو بالأدعية الجامعة من القرآن والسنة في أي وقت من الشهر دون تقييدها بيوم معين.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟
البديل الصحيح والآمن هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي شاملة ومباركة، كما يمكن للمسلم أن يدعو الله بحاجته بأسلوبه الخاص وبأي صيغة طيبة ليس فيها اعتداء، فهذا من سعة رحمة الله.
 
		

