يستقبل المسلم شهر رمضان المبارك بقلبٍ يملؤه الشوق إلى الطاعة والعبادة، فهو موسمٌ عظيمٌ لتجديد الإيمان، والتوبة النصوح، والإقبال على الله تعالى، ومن أعظم ما يستعد به العبد لهذا الشهر الفضيل هو الدعاء الخالص، وشكر الله على نعمة بلوغه، مع استحضار النية الصادقة لصيامه وقيامه، والتقرب فيه بصالح الأعمال.

ومع تسارع أيام الشهر ولياليه، قد يشعر البعض بالحنين والرغبة في استثمار كل لحظة متبقية، وفي هذا السياق، يوصي أهل العلم بالتركيز على الأدعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، والإلحاح على الله تعالى طلبًا للقبول والمغفرة والعتق من النار، وسؤاله سبحانه أن يبلّغنا رمضان في أعوام قادمة ونحن في صحة وعافية.

صيغ شائعة للدعاء ببلوغ رمضان وتوديعه

تنتشر بين المسلمين بعض الصيغ الدعائية التي يعبرون من خلالها عن شوقهم لشهر رمضان ورجائهم في بلوغه مرات عديدة، أو حزنهم على وداعه، ومن هذه الصيغ المتداولة:

• “اللَّهُمَّ أَعِدْ عَلَيْنَا رَمَضَانَ أَعْوَامًا عَدِيدَةً وَأَزْمِنَةً مَدِيدَةً، وَنَحْنُ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ وَأَمْنٍ وَإِيمَانٍ.”.
• “اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ لَا فَاقِدِينَ وَلَا مَفْقُودِينَ.”.
• “اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَوْدِعُكَ رَمَضَانَ، فَتَقَبَّلْهُ مِنَّا بِأَحْسَنِ قَبُولٍ، وَاجْعَلْنَا فِيهِ مِنَ الْمَقْبُولِينَ وَالْمَرْحُومِينَ.”.
• “اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ صِيَامِنَا إِيَّاهُ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ فَاجْعَلْنِي مَرْحُومًا وَلَا تَجْعَلْنِي مَحْرُومًا.”.

تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس للتعبير عن معانٍ طيبة، ولكنها لم تثبت بسند صحيح متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الكلمات المحددة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وتحتوي على جوامع الكلم والخير العظيم.

ما حكم الدعاء بـ “اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين”؟

أوضح العلماء أن الدعاء بهذه الصيغة أو ما شابهها جائز ولا حرج فيه من حيث المعنى، فمعناه صحيح، وهو طلب من الله أن يطيل عمر الإنسان وعمر أحبته في طاعته حتى يبلغوا رمضان وهم في صحة وسلامة، لكن لا يجوز اعتقاد أن هذه الصيغة سنة نبوية مأثورة بلفظها، بل هي من الأدعية العامة التي يدعو بها المسلم بما يصلح حاله في الدنيا والآخرة.

أدعية ثابتة من القرآن والسنة لاستقبال رمضان وتوديعه

الأفضل للمسلم أن يتحرى الأدعية الواردة في المصادر الشرعية الموثوقة، فهي جامعة للخير والبركة، ومن ذلك:

1، دعاء رؤية هلال رمضان (وغيره من الشهور)

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال:

“اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ”.

المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3451، درجة الحديث: حديث حسن.

2، دعاء ليلة القدر (في العشر الأواخر)

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:

“قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.

المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3513، درجة الحديث: حديث صحيح.

3، أدعية جامعة من القرآن الكريم لطلب خيري الدنيا والآخرة

هذه الأدعية القرآنية مناسبة لكل وقت، ويتأكد الدعاء بها في الأوقات الفاضلة كشهر رمضان:

“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”.

المصدر: [سورة البقرة: 201].

“رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”.

المصدر: [سورة الأعراف: 23].

“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”.

المصدر: [سورة آل عمران: 8].

المصادر والمراجع

الأسئلة الشائعة

هل دعاء “اللهم أعد علينا رمضان أعوامًا عديدة” حديث نبوي؟

لا، هذه الصيغة ليست حديثًا ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها دعاء عام بمعنًى حسن، يجوز الدعاء به دون نسبته إلى السنة.

ما هو أفضل دعاء يقال في نهاية رمضان؟

لم يرد دعاء مخصص لوداع رمضان، ولكن يُستحب الإكثار من الاستغفار وسؤال الله القبول، ومن أفضل الأدعية دعاء ليلة القدر: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، فهو يجمع طلب المغفرة التي هي من أعظم مقاصد الشهر الكريم.

هل يجوز الدعاء بأي صيغة في رمضان؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأكمل والأفضل والأكثر بركة.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر