للذكر والدعاء منزلة عظيمة في حياة المسلم، فهما الصلة المباشرة بين العبد وربه، ومصدر الطمأنينة والسكينة القلبية، إن اليقين بأن الله تعالى هو المدبر لكل شؤون الخلق يرسخ في النفس الثبات، ويجعل الدعاء درعًا حصينًا يلجأ إليه المؤمن في السراء والضراء، طلبًا للخير ودفعًا للشرور.
فضل يوم الخميس وأهمية الأعمال الصالحة فيه
يوم الخميس له مكانة خاصة في السنة النبوية، حيث تُعرض فيه أعمال العباد على الله سبحانه وتعالى، مما يجعله مناسبة عظيمة للإكثار من الطاعات والدعاء والاستغفار، والأصل في ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ.”
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح.
من هذا المنطلق، يُستحب للمسلم أن يغتنم هذا اليوم في التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة كالصيام، والصدقة، والذكر، والدعاء العام بما يفتح الله عليه من خيري الدنيا والآخرة.
أدعية جامعة من القرآن الكريم والسنة الصحيحة (يمكن الدعاء بها في كل وقت)
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الأجمع لخيري الدنيا والآخرة، والأعظم بركة، وهذه بعض الأمثلة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في يوم الخميس وغيره من الأيام:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة (من القرآن الكريم):
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.”
(سورة البقرة: 201).
- دعاء الكرب (من السنة النبوية):
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.”
(صحيح البخاري وصحيح مسلم).
- دعاء لطلب الهداية والصلاح:
“اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي.”
(صحيح مسلم).
- دعاء تفريج الهم وقضاء الدين:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.”
(صحيح البخاري).
أهمية الاستغفار وفضله
الاستغفار باب عظيم لمحو الذنوب وفتح أبواب الرحمة والرزق، ويُستحب الإكثار منه في كل وقت، وخاصة في الأوقات المباركة، ومن أعظم صيغ الاستغفار ما يُعرف بـ “سيد الاستغفار”:
- سيد الاستغفار (من السنة النبوية):
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ.”
فضله: قال النبي ﷺ: “وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ”، (صحيح البخاري).
صيغ وأدعية عامة شائعة
هناك العديد من صيغ الدعاء التي يتداولها الناس، وهي تحمل معانٍ طيبة في مجملها، يمكن للمسلم أن يدعو بها أو بما يفتح الله عليه من الدعاء الذي لا يخالف الشريعة، مع اليقين بأن الأفضل والأكمل هو الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الصيغ العامة:
- يَا مَلِكَ الْمُلُوكِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَغْمُرَنِي بِعَافِيَتِكَ الَّتِي لَا يُضَامُ صَاحِبُهَا، اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي دُرُوبَ الْخَيْرِ وَجَنِّبْنِي سُبُلَ الشَّقَاءِ وَالْحِرْمَانِ، اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنِّي أَصْحَابَ النَّوَايَا السَّيِّئَةِ وَاجْعَلْ لِي فِي دَرْبِي رِفَاقًا صَالِحِينَ يَخْشَوْنَكَ وَيَأْخُذُونَ بِيَدِي إِلَى طَرِيقِ هِدَايَتِكَ.
- يَا اللهُ، ارْزُقْنَا الْفَرَجَ الْقَرِيبَ وَالسِّتْرَ الَّذِي يُغْنِينَا عَنِ الْحَاجَةِ، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ شَرِّ خَلْقِكَ وَمِنْ وَسَاوِسِ الشَّيَاطِينِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَارْزُقْنَا الرِّزْقَ الْحَلَالَ الطَّيِّبَ الْمُبَارَكَ، اللَّهُمَّ خُذْ بِأَيْدِينَا إِلَى طَرِيقِ الْهِدَايَةِ وَثَبِّتْنَا عَلَيْهَا.
- اللَّهُمَّ غَيِّرْ حَالَنَا إِلَى أَفْضَلِ حَالٍ، وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاجْعَلْ طَرِيقَنَا خَالِيًا مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالْمَكْرِ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي قَلْبًا سَلِيمًا لَا يَحْمِلُ حِقْدًا لِأَحَدٍ، وَعَقْلًا رَاجِحًا يَرَى الْحَقَّ حَقًّا وَالْبَاطِلَ بَاطِلًا.
- يَا مَالِكَ الْمُلْكِ، أَعْطِنَا مِنْ عَطَايَاكَ مَا يَجْعَلُنَا فِي غِنًى عَنْ غَيْرِكَ، وَلَا تَحْرِمْنَا مِنْ شَفَاعَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ، اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا غَضَبَكَ وَارْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالضِّيقَ.
تنبيه هام وحكم تخصيص يوم الخميس بأدعية معينة
تنبيه: الصيغ المذكورة أعلاه في قسم “صيغ وأدعية عامة شائعة” هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه على أنها خاصة بيوم الخميس، الدعاء عبادة، والأصل فيها الاتباع والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ففيها الكفاية والبركة والخير العظيم.
الحكم الشرعي: لا يجوز تخصيص يوم معين (مثل يوم الخميس) أو وقت معين بدعاء لم يرد في الشرع تخصيصه، مع الاعتقاد بأن لهذا التخصيص فضيلة خاصة، أما الدعاء العام دون تخصيص أو اعتقاد بفضل معين، فهو جائز في كل وقت وحين، ويوم الخميس من الأوقات الفاضلة التي يُرجى فيها قبول الدعاء بسبب عرض الأعمال فيه.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سنن الترمذي، حديث رقم 747، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6362، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2704، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6369، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
س1: ما هو أفضل دعاء يمكن قوله يوم الخميس؟
أفضل الدعاء هو ما كان جامعًا لخيري الدنيا والآخرة، والمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أعظمها دعاء: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”، وكذلك سيد الاستغفار، وأدعية الكرب والهم.
س2: هل يجوز أن أدعو بصيغة من عندي لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، وبأي صيغة كانت، ما لم يكن في الدعاء إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء، ولكن، يبقى الدعاء بالمأثور من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم أجرًا.
س3: ما حكم تخصيص يوم الخميس بصيغ دعاء محددة ومنتشرة على الإنترنت؟
تخصيص يوم الخميس بأدعية معينة لم ترد في السنة، مع الاعتقاد بأن لها فضيلة خاصة بهذا اليوم، هو أمر محدث لا أصل له في الشرع، والأولى للمسلم هو الإكثار من الدعاء المأثور والذكر العام في هذا اليوم المبارك دون تخصيص صيغة بعينها.

